السر الذي ميز عملية أبو صبيح
بقلم /عبد القادر عقل
شكّلت عملية الشهيد مصباح أبو صبيح علامة فارقة ومميزة في سجل العمليات الفردية التي خرجت إلى النور منذ شهر أكتوبر من العام الماضي، وميزة العملية ليست فقط في عدد الخسائر الصهيونية أو نوعية الأداة المستخدمة فيه تنفيذها أو في كونها تمت في فترة هدوء نسبيٍ لوتيرة العمليات الفلسطينية، فليست المرة الأولى التي تتم فيها عملية بواسطة بندقية آلية منذ العام الماضي، لكن المتعمق في تفاصيل هذه العملية وظروف منفذها سيكتشف لماذا اعتبرها الاحتلال خطيرة ولماذا كانت علامة فارقة.
من خلال المتابعة لسجل الأحداث والعمليات، يتضح أن عملية أبو صبيح هي العملية الأولى التي يتم فيها استعمال سلاح آلي “إم16” داخل القدس المحتلة منذ العام الماضي، حيث أن عمليات اطلاق النار كانت تتم بواسطة بنادق مصنّعة محلياً غالباً، أما النقطة الأهم والتي تطرق لها الاعلام العبري فهي طبيعة منفذ العملية، حيث تساءل صحفي في القناة العاشرة قائلا “علينا أن نسأل أنفسنا ألف سؤال، شخص من حوله ألف ضوء أحمر ويتمكن من تنفيذ عملية كهذه، كيف يكون ذلك؟”.
وكان الصحفي محقاً في سؤاله، فالمنفذ أبو صبيح يمتلك سجلاً أمنياً حافلاً لدى الاحتلال، إضافة لكونه أسير سابق، وأحد أشهر المرابطين في المسجد الأقصى وعلى أبوابه، وتعرض للابعاد عن الأقصى وممنوع من السفر، وتقول عائلته أن الاحتلال اعتقله ثلاث مرات خلال الأسبوع الأخير، وبالتالي من المفترض أن تتم مراقبته بشكل حثيث، وتعترف القنوات بما أسمته “الفشل الأمني” حيث أجمعت الفضائيات في نشرات الأخبار الرئيسية الساعة الثامنة مساء على وجود هذا الفشل بعد اعتقال المنفذ عدة مرات بتهم “التحريض” عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
الوجه الآخر الفشل، لا يكمن باعتقادي في شخصية المنفذ وكيفية تمكنه من تنفيذ عمليته رغم سجّله الأمني مع الاحتلال، لكنه يكمن في امتلاكه لبندقية متطورة مثل “إم16” مزودّة بستة مخازن كما قال الاعلام العبري، فالآن الأجهزة الأمنية ستكون أمام علامات استفهام كبيرة، أبرزها: من أين حصل على البندقية؟ وممّن؟ ومتى؟ وكيف نجح في تخزينها؟.
تُسجّل للشهيد المنفذ بصمة مميزة في اختيار التوقيت، فكان من المفترض أن يُسلّم نفسه للاعتقال في ذات اليوم الذي نفذ فيه عمليته، وبالتالي نجح في كتابة آخر منشورٍ له عبر فيسبوك بشكلٍ يشبه الوصية بشكل ضمني قبل يومين من استشهاده، دون أن يشك أحدٌ بذلك، فهو سيغيب عن القدس وعائلته فترة أربعة أشهر، حتى أنه ودّع عائلته وأطفاله –كما أشارت العائلة- بناء على نيته تسليم نفسه للاعتقال، وهذا ما لم يكن.
في السياق ذاته، أكدت المصادر الإعلامية العبرية نقلاً عن شهادات لجنود الاحتلال الذين كانوا في مكان عملية أبو صبيح، أن الأخير كان يُطلق الرصاص بشكل دقيق وليس عشوائي، ووصفت المصادر اطلاق النار بـ”المُركّز” رغم أنه يقود السيارة، وهذه التقديرات أقرب للصواب، حيث يَظهر ذلك في الفيديو الذي إستهدف فيه الشهيد أبو صبيح الدراجة التي كانت تُقل إثنين من الجنود، فأول صلية رصاص أسقطت الأول فلم يتحرك، بينما لاحق الرصاص الآخر الذي فرّ زاحفاً من المكان.
بإمكان أي شخصٍ يزيد وزنه عن وزن البندقية أن يمتشقها، لكن ليس بإمكان أي شخصٍ أن يتعامل معها ويُطلق النار منها بدقة، وهذا ما يُفسّر تقديرات الاحتلال بأن أبو صبيح تلقى تدريبات على استعمال السلاح –وفق آخر التقديرات المنشورة-.
ولعل أكثر ما يزيد مخاوف الاحتلال هو تكرار هذا النوع من العمليات من خلال امتلاك المنفذين لأسلوب “تقليد بعضهم البعض”، وهو ما يؤكد عليه المحللون مرارا.
نقلا عن قدس الإخبارية