دروس من غزوة بدر
تاريخ النشر : الثلاثاء , 08 سبتمبر 2009 - 4:30 صباحاً بتوقيت مدينة القدس
الحمد لله، الذي أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عدداً، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن غزوة بدر الكبرى لها منزلة عالية في قلوب المسلمين، وبدر عين ماء مشهورة بين مكة والمدينة وتنسب إلى بدر بن مخلد بن النضر، وكانت غزوة بدر يوم الجمعة الموافق السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة. [الطبقات لابن سعد (1/ص10)]
ولما كانت غزوة بدر ذات أهمية كبرى في التاريخ الإسلامي أحببت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بالدروس المستفادة منها، فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، قال تعالى: ﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير﴾ [الحديد: 22] ، وقال سبحانه: ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾ [القمر: 49] ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة). [مسلم 2653]
ويتضح الرضا بالقضاء والقدر جليًا في سبب الغزوة، عن كعب بن مالك قال: (لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنها، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم على غير ميعاد سابق). [البخاري حديث 3951]
قال تعالى: ﴿إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم﴾ [الأنفال: 42].
فرضي الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة الذين خرجوا معه للقاء عير قريش بما قدره الله من لقائهم بجيش قريش.
ثانيا: استشارة أهل التقوى من أهل العلم بالدين وأهل الخبرة في أمور الدنيا
من أسباب النصر وصلاح أحوال المجتمع المسلم ويتضح ذلك جليا عندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار في لقاء جيش المشركين، ولقد استجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لمشورة الحباب بن المنذر عندما تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل أدنى ماء من مياه بدر، فقام الحباب بن المنذر وقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه أم هو الحرب والرأي والمكيدة ؟ قال: بل هو الحرب والرأي والمكيدة، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى (أقرب) ماء من القوم ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أشرت علي بالرأي)، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار معه الصحابة حتى نزل بالمكان الذي أشار به الحباب بن المنذر.[السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص224- الطبقات لابن سعد ج2 ص10]
ثالثا: علو منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الصحابة
لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم منزلة رفيعة في قلوب أصحابه رضي الله عنهم، فقد كانوا على أتم استعداد للتضحية بأنفسهم وأولادهم وأموالهم من أجل الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتضح ذلك جليا في قول سعد بن معاذ: «يا نبي الله، ألا نبني لك عريشا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك ثم نلقي عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله، ما نحن بأشد لك حبا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك». فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فكان فيه.[سيرة ابن هشام ج2 ص225]
رابعا: وجوب الحذر من أعدائنا حتى لا نؤاخذ على غرة
يجب علينا جمع المعلومات التي تساعدنا على التعرف على أحوال أعدائنا وقوتهم وتحركاتهم حتى لا يباغتونا، فيحدث ما لا تحمد عقباه، ويتضح ذلك جليا عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر فأصابوا رجلين من قريش لسقي الماء، فأتوا بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستطاع أن يحصل منهما على معلومات مهمة عن عدد قريش وقوتهم.[الطبقات لابن سعد ج2 ص10]
خامسا: النصر من عند الله العزيز الحكيم
يجب علينا الإيمان بأن النصر إنما يكون من عند الله وحده مع وجوب الأخذ بالأسباب ولو كانت قليلة، ويتضح ذلك جليا عندما نعقد مقارنة بين قوة جيش المسلمين وقوة المشركين في غزوة بدر، حيث كان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر، وعدد المشركين تسعمائة وخمسين رجلا، وكان مع المسلمين سبعون بعيرا يعتقبونها، كل ثلاثة على بعير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه اثنان من الصحابة يعتقبون بعيرا واحدا، وكان مع المسلمين فرسان فقط أحدهما للزبير بن العوام والثاني للمقداد بن الأسود، وكان مع المسلمين ستون درعا، بينما كان للمشركين أكثر من سبعمائة بعير، ومعهم مائتا فرس، وستمائة درع. [البداية والنهاية لابن كثير ج3 ص259، 260]
فإذا نظرنا إلى الأسباب المادية وجدنا تفوق المشركين، ولكن يجب علينا أن نؤمن أننا لا نعتمد في حربنا مع أعداء الإسلام على كثرة العدد والأسلحة، ولكننا نعتمد أولا وأخيرا على قوة إيماننا بالله تعالى وحده، وأنه هو الحافظ لهذا الدين وإن كانت قوتنا المادية قليلة، قال الله تعالى: ﴿وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم﴾ [آل عمران: 126] ، وقال تعالى: ﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين﴾ [البقرة: 249] ، وتتجلى نصرة الله لأهل الإيمان في غزوة بدر بنزول المطر عليهم وإلقاء النعاس عليهم وتثبيتهم عند القتال وإلقاء الرعب في قلوب المشركين ونزول الملائكة وقتالهم في صف المسلمين.
سادسًا: المحافظة على الطاعات والإخلاص في الدعاء
من أعظم أسباب النصر على الأعداء كان ذلك عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عريشه ومعه أبو بكر الصديق، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يناشد ربه بالدعاء قائلاً: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف لربه مادًا يديه مستقبلاً القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه وألقاه على منكبيه ثم التزمه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: ﴿إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين﴾ [الأنفال: 9] ، فأمده الله بالملائكة. [مسلم حديث 1763]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا: (اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم أحنهم الغداة أي: انصرنا عليهم). [سيرة ابن هشام ج2 ص225] قال الله سبحانه: ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم﴾ [غافر: 60] ، وقال سبحانه: ﴿أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون﴾
سابعا: لا موالاة بين المسلمين والمشركين ولو كانوا ذوي قربى
لقد برزت في غزوة بدر الكبرى قوة العقيدة والثبات على الحق، ففي هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء والإخوة بإخوتهم، وخالفت بينهم العقيدة، وفصلت بينهم السيوف، وكانت العقيدة الصحيحة فوق القرابة الكافرة، فلا موالاة ولا حب بين المسلم والكافر، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقتل خاله الخاص بن هشام بن المغيرة، وهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يأسر أمية بن خلف وولده علي بن أمية على الرغم من أنهما كانا أصدقاء في الجاهلية معلنا بذلك أنه لا موالاة ولا صداقة مع الكافرين، وهذا مصعب بن عمير رضي الله عنه لما وقع أخوه أبو عزيز في الأسر يوم بدر على يد رجل من الأنصار ومر به أخوه مصعب قال للأنصاري: اشدد يدك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك. قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بي؟ فقال مصعب: إنه أخي دونك. [سيرة ابن هشام ج2 ص234- 251]
ثامنا: وجوب رد الخلاف بين المسلمين إلى القرآن والسنة
ويتضح ذلك عندما اختلف الصحابة في غنائم غزوة بدر فقال الذين جمعوا الغنائم هي لنا، وقال الذين كانوا يقاتلون المشركين: هي لنا، وقال الذين كانوا يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم: هي لنا، فلما اشتد الخلاف في هذا الأمر نزل قول الله تعالى:﴿ يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين﴾ [الأنفال: 1]
روى أحمد عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال، قال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء -يقول على السواء-[حديث حسن لغيره: مسند أحمد ج37 ص410]
فيجب علينا عند الاختلاف والتنازع في أمر ما أن نرد التنازع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لنقف على الحكم الشرعي في هذا الأمر، قال تعالى: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويل﴾ [النساء: 59].
تاسعا: علو منزلة أهل بدر على غيرهم من الصحابة
إن الصحابة الذين شهدوا غزوة بدر هم الذين اصطفاهم الله على غيرهم من المؤمنين وذلك لأن غزوة بدر كانت هي المفتاح لوصول الإسلام إلى البشرية جمعاء، وأصحاب بدر هم النجوم المضيئة في التاريخ الإسلامي حتى أصبح يقال للواحد منهم «البدري»، وكفى بهذا الوصف شرفا وتعظيما له في حياة الناس، وكفى به أجرا وإحسانا عند الله تعالى، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده المؤمنين.
عن علي بن أبي طالب -وذلك في قصة حاطب بن ابي بلتعة عندما أرسل كتابا إلى أهل مكة يخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأخبر الوحي الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، وهم عمر بن الخطاب أن يقتل حاطبا- إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم). [البخاري ح3980، ومسلم ح3494]
وروى البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه -وكان أبوه من أهل بدر- قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال: من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة). [البخاري ح3992]
عاشرا: الإسلام يوصي بالأسارى خيرا
ما أجمل أن يلتزم المسلم بمكارم الأخلاق مع أعدائه حتى عند الحروب ويظهر ذلك عندما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسارى بعد غزوة بدر، وفرقهم بين أصحابه، وقال لهم: استوصوا بالأسارى خيرا، وكان أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير في الأسارى فقال: كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فاستحى فأردها على أحدهم فيردها على ما يمسها. [سيرة ابن هشام ج2 ص251]
قارن أخي الكريم بين هذا الهدي النبوي في معاملة الأسارى وما يحدث في واقعنا المعاصر من إهانة لهم.
الحادي عشر: الاهتمام بالعلم غاية إسلامية سامية
إن الإسلام دائما يدعو إلى العلم، ويظهر هذا الاهتمام جليا في غزوة بدر عندما شرع المسلمون في قبول فداء الأسارى مقابل أربعة أو ثلاثة آلاف درهم، ومن لم يكن عنده مال من الأسارى وكان يحسن القراءة والكتابة دفع إليه الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة من غلمان المدينة يعلمهم الكتابة، فإذا أجادوها تم إطلاق سبي هذا الأسير، وكان ممن تعلم الكتابة بهذه الطريقة: زيد بن ثابت رضي الله عنه. [الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص16]
هذه الطريقة النبوية المباركة في فداء الأسارى كانت طريقة غير مسبوقة قبل ذلك.
الثاني عشر: الشيطان يخذل أتباعه
إن الشيطان دائما بالمرصاد للإنسان يزين له المعصية حتى إذا وقع فيها تركه وتبرأ منه، ويتضح ذلك في غزوة بدر، قال عبد الله بن عباس: لما كان يوم بدر سار إبليس برعيته وجنوده من المشركين والقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وإني جار لكم، فلما التقوا ونظر الشيطان إلى مداد الملائكة نكص على عقبه ورجع مدبرا وقال: إني أرى ما لا ترون.[تفسير ابن كثير جـ7 ص100]
فعلى المسلم العاقل أن يعلم الشيطان يخذل من أطاعه في أي وقت وفي أي مكان، وصدق الله العظيم حيث يقول في كتابه العزيز: ﴿كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين﴾ [الحشر: 16].
وقال سبحانه عن الشيطان يوم القيامة: ﴿وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم﴾ [إبراهيم: 22].
الثالث عشر: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة
قال تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير﴾ [الأحزاب: 21].
ولقد تجلت هذه القدوة الحسنة في كثير من مواقفه صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الكبرى، وسوف نذكر بعضا من هذه المواقف:
1- عن عبد الله بن مسعود قال: «كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، كان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي (جاء دوره في السير على قدميه) فقالا: نحن نمشي عنك. فقال: ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما». [حديث حسن: مسند أحمد جـ7 ص17]
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس -أي عم النبي صلى الله عليه وسلم- فداءه، قال: (والله لا تذرون منه درهم). [البخاري ح4018]
قال ابن حجر -رحمه الله- تعليقا على هذا الحديث: «الحكمة في ذلك أنه خشي أن يكون في ذلك محاباة له لكونه عمه لا لكونه قريبهم من ناحية النساء فقط».[فتح الباري جـ7 ص375]
ولقد حثنا الله تعالى على الاقتداء بنينا محمد صلى الله عليه وسلم والرضا بجميع أحكامه، وحذرنا مخالفته، قال تعالى: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليم﴾ [النساء: 65].
وقال سبحانه: ﴿إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون﴾ [النور: 51].
وقال جل شأنه: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهو﴾ [الحشر: 7]. وقال تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبين﴾ [النور: 63].
وقال سبحانه: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم﴾ [النور: 63].
وختاما: نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يجعلنا ممن يقتدون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأقوال والأفعال، في السر والعلانية، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.