الجهاد جسد روحه الإخلاص
الجهاد جسد روحه الإخلاص
عرّف العلماء الأجلاء النية بتعاريف عديدة منها: إن النية هي العزم ، وهي قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له ، وقالوا أيضاً : هي انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً للغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مآلاً .
والنية تؤثر في الأعمال وتجعل العمل الواحد يتنوع في حكمه الشرعي وقيمته الأخلاقية وجزائه الأخروي تبعاً لنية صاحبه .. روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي ) صلى الله عليه وسلم ) قوله: ( الخيل ثلاثة : فرس يربطه الرجل في سبيل الله عز وجل : فثمنه أجر، وركوبه أجر ، وعاريته أجر ، وعلفه أجر .. وفرس يغالق عليه الرجل ويراهن : فثمنه وزر ، وعلفه وزر .. وفرس للبطنة : فعسى أن يكون سداداً من الفقر إن شاء الله تعالى ) .
قال الحافظ السيوطي في هذا التقسيم : قال العلماء : النية تؤثر في الفعل فيصير بها تارة حراماً وتارة حلالاً ، وصورته واحدة : كالذبح مثلاً: فإنه يُحل الحيوان إذا ذُُبح لوجه الله ، ويحرمه إذا ذُبح لغير الله ، والصورة واحدة .
قال المحقق ابن القيم - رحمه الله - في كتاب الروح : ( الشيء الواحد تكون صورته واحدة ، وهو ينقسم إلى محمود ومذموم ، فمن ذلك : التوكل والعجز ،والرجاء والتمني ، والحب لله والحب مع الله، والنصح والتأنيب ( التشهير ) , والهدية والرشوة , والإخبار بالحال والشكوى ، فإن الأول من كل ما ذكر محمود وقرينه مذموم ، والصورة واحدة ولا فارق بينهما إلا القصد) .
والنية لا تؤثر في الحرام حتى تجعله حلالاً فحسن النية وشرف القصد لا يحيل الحرام حلالاً ولا ينزع منه صفة الخبث التي هي أساس تحريمه .
وقد أكدت الأحاديث الصحيحة ذلك ( إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً ) رواه مسلم ، وفي حديث ابن مسعود ( رضي الله عنه ) مرفوعاً : ( إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث ) رواه أحمد والبزار والبيهقي ، وهذا معناه أن الإسلام يرفض مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، والإسلام لا يقبل إلا الوسيلة النظيفة للغاية الشريفة ، فلابدَّ من شرف الغاية وطهارة الوسيلة معاً
. ولابد مع استحضار النية تجريدها من كل الشوائب والرغبات الذاتية والدنيوية وإخلاصها لله تعالى في كل عمل من أعمال الآخرة ، وخصوصاً : القتال في سبيل الله ، حتى يحوز القبول عند الله تعالى ، لذا فإن كل عمل صالح لا يقبل عند الله إلا بتحقيق ركنين أساسيين :
الأول : الإخلاص وتصحيح النية ..
الثاني : موافقة السنة ومنهاج الشرع ... وقد جمع الله سبحانه وتعالى الركنيين في أكثر من آية في كتابه العزيز فقال : ( وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ ) سورة لقمان : 22، وقال أيضا : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ) سورة النساء : 125. فإسلام الوجه لله : إخلاص القصد والعمل به، والإحسان فيه : أداؤه على الصورة المرضية شرعاً ومتابعة رسول الله ) صلى الله عليه وسلم ) وسنته .. وعليه فإننا يجب أن نعرف أن بدون الإخلاص لا يقبل الله عملاً مهما يكن ظاهره الخير والصلاح .
فالجهاد هو أفضل عبادة يتطوع بها المسلم ويتقرب إلى ربه ، ومع هذا لا يقبله الله تعالى حتى يخلص من كل الشوائب الدنيوية كمُرآة الناس أو إظهار الشجاعة أو الحمية للعشيرة أو الأرض ونحو ذلك ، وإن المرء قد يلبس لبوس المجاهدين ويقاتل في صفوفهم حتى يقتل على أيدي الكفار ثم لا يعد عند الله شهيداً ، وما ذلك إلا لنيته التي لم تتجرد لإعلاء كلمة الله .
جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ( رضي الله عنه ) أن إعرابياً أتى النبي( صلى الله عليه وسلم ) فقال: يا رسول الله ، الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل ليُذكر ، والرجل يقاتل ليُرى مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ فقال رسول الله ) صلى الله عليه وسلم ) : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) .
ومفهوم هذا أن كل قتال آخر : ليس في سبيل الله .
وعن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) : أن رجلاً قال : يا رسول الله ، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عَرَضاً من الدنيا فقال رسول الله ) صلى الله عليه وسلم) :( لا أجر له ) ، فأعظم ذلك الناس فقالوا للرجل: عد إلى رسول الله ) صلى الله عليه وسلم) فلعلك لم تفهمه ، فقال الرجل : يا رسول الله، رجلٌ يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي من عَرَض الدنيا ، فقال :( لا أجر له ) ، فأعظم ذلك الناس فقالوا للرجل: عد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال له الثالثة:رجل يريد الجهاد في سبيل الله عز وجل وهو يبتغي عَرَض الدنيا، قال: ( لا أجر له ) رواه أحمد وأبو داود.
إعلم – يا من تجاهد اليوم في أرض الرباط فلسطين - أن استحضار النية في جهادك مهم جداً ، ولا يكفي أن تجاهد دون أن تسحضر النية ، والحبيب ( صلى الله عليه وسلم) يقول : ( إنما يبعث الناس على نياتهم ) رواه ابن ماجة
ويقول أيضاً ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لا عمل لمن لا نية له ، ولا أجر لمن لا حسبة له ) رواه البيهقي في الكبرى، يعني من لم يعمل العمل احتساباً لله . وروي عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) أنه قال : لا ينفع قول إلا بعمل ، ولا ينفع قول وعمل إلا بنية .
وقال يحيى بن أبي كثير : تعلموا النية ، فإنها أبلغ من العمل . وقال عبد الله بن المبارك : رُبَّ عمل صغير تعظمه النية ، ورُبَّ عمل كبير تصغره النية . وقال أحد الصالحين : طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى .
وكان عمر ( رضي الله عنه ) يقول : اللهم اجعل عملي كله صالحاً ، واجعله لوجهك خالصاً ، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً .
وكان من دعاء مطرًف بن عبد الله : اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه , وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أوف لك به ، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت .
فيجب على المجاهد المقاتل أن يكون صادقاً في نيته لله سبحانه وتعالى .. ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )سورة النساء : 74 ، وقدّم الباري سبحانه الجار والمجرور(فِي سَبِيلِ اللّهِ ) على الفاعل لإبراز أهمية النية والهدف من القتال ... فإذا صحت النية كانت الامتيازات كثيرة ، فالذين يقاتلون في سبيل الله يغنمون إحدى الحسنيين : إما الشهادة أو النصر( فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) ، وقُدِّم القتل على النصر لما فيه من الأجر والثواب عندما يكون خالصاً لوجه الله وفي كلٍ خير .
وفي هذه الآيات يَسْتجيش الله سبحانه وتعالى مروءة النفس وحساسية القلوب الصادقة تجاه المستضعفين من الرجال والنساء والولدان وهم يتطلعون إلى الخلاص فيحتاجون إلى من يناصرهم ويساندهم لفك أزمة المحنة في عقيدتهم والفتنة في دينهم : (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا )سورة النساء : 75 .
فالمحنة في العقيدة أشد من المحنة في المال والأرض والنفس والعرض ، لأن محنة العقيدة تشمل أخص خصائص الوجود الإنساني. . فيا إخوتنا في درب الجهاد المقدس ...أيها المجاهدون على ارض فلسطين الطاهرة المبارك فيها ومن حولها..... يا من تركتم حطام الدنيا الفانية في سبيل الله وحده ...... هبوا وأخلصوا النية لله وحده واصدقوه في جهادكم حتى تنالوا إحدى الحسنيين ، فأنتم – والله - أولياء الرحمن إن صدقتم، وإلا كانت الأخرى أعاذنا الله وإياكم منها..
( الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )