تُبدي النخب الصهيونية ومحافل التقدير الاستراتيجي في الكيان، اهتماماً كبيراً بمحاولة رصد تداعيات ودلالات نجاح "حزب الله" اللبناني في الكشف عن شبكة التجسس التي عملت لصالح جهاز الموساد، داخل الحزب.
وترأس الشبكة محمد شوربة، الذي يوصف بأنه "الرجل الثاني" في وحدة العمليات الخارجية التابعة للحزب، والمعروفة بـ"وحدة 910". ولا خلاف في الكيان على أن أخطر تداعيين للكشف عن هذه الخلية يتمثلان في تقليص قدرة الكيان على إحباط عمليات يخطط الحزب لتنفيذها ضد أهداف الصهيونية في المستقبل، وعدم تمكين تل أبيب من مواصلة الحصول على الأدلّة التي تصلح لإقناع المزيد من الدول في العالم بالتعامل مع الحزب كتنظيم "إرهابي".
ويجزم "مركز أبحاث الأمن القومي" الصهيوني أن النجاحات التي حققها "حزب الله" في الكشف عن شبكة التجسس الأخيرة وغيرها في الماضي، تعود بشكل خاص إلى قيامه بتشكيل وحدة لمكافحة التجسس بمساعدة إيران مطلع العام 2000. وحسب دراسة أعدّها المركز، الذي يُعتبر أحد أهم محافل التقدير الاستراتيجي في إسرائيل، فقد حصل الحزب على مساعدات تقنية وأمنية ذات قيمة من الحرس الثوري الإيراني لتمكينه من الكشف عن عمليات التجسس، بهدف منع تدفق المعلومات الاستخبارية.
ويعتبر معدّا الدراسة، يورام شفايتسر وبنديتا بريتي، أن "نجاح حزب الله تحديداً في الكشف عن العميل محمد شوربة، يمثل انتصاراً ميدانياً للحزب في مجال مكافحة التجسس، ويدل على قوة الحزب وفاعليته في المسّ بمنظومات جمع المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية".
واعتبر شفايتسر وبريتي، في الورقة التي نُشرت في العدد الأخير من مجلة "مباط عال"، الصادرة عن المركز، أن "تمكّن الحزب من الكشف عن شوربة، يعني المسّ بقدرة إسرائيل على إحباط العمليات التي يخطط الحزب لتنفيذها في المستقبل". وعلى الرغم من افتراض شفايتسر وبريتي أنه لا زالت هناك مصادر استخبارية بشرية تعمل لصالح إسرائيل داخل "حزب الله"، إلا أنهما يؤكدان أن المكانة الرفيعة التي شغلها شوربة على وجه الخصوص، مكّنت إسرائيل من إحباط الكثير من العمليات التي خطط الحزب لتنفيذها ضد أهداف إسرائيلية في العالم.
وحسب الورقة، فإن "حزب الله" وضع على رأس أولوياته الكشف عن عملاء في لبنان، تحديداً العملاء المزدوجين، الذين يُمكن أن يعملوا داخل صفوفه لصالح إسرائيل. وتفترض الورقة أن شوربة قد أسهم بشكل حاسم في إحباط العمليات التي حاول "حزب الله" تنفيذها خلال الأعوام الماضية، سواء في أذربيجان، وتركيا، وقبرص، وتايلاند، وأخيراً في البيرو، وتقديمها على أساس أنها انتقام لاغتيال قائد الذراع العسكري للحزب عماد مغنية في سورية في 12 فبراير/ شباط 2008.
ويشير مسؤولون في إسرائيل إلى أن العملية الوحيدة التي نجح "حزب الله" في تنفيذها، تمثلت في التفجير الذي استهدف سياحاً إسرائيليين في مطار بورغاس في بلغاريا في يوليو/ تموز 2012، وأدّى إلى مقتل خمسة سياح إسرائيليين ورجل أمن بلغاري.
يُذكر أن الأجهزة الاستخبارية التي تعنى بتجنيد العملاء داخل لبنان، تنحصر في جهاز "الموساد"، ووحدة "العملاء والأسرى"، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، وهي الوحدة المعروفة بـ"وحدة 504". ولما كان "الموساد" مسؤولاً عن جمع المعلومات الاستخبارية عن جميع الأهداف التي تعني إسرائيل في العالم، فإن "وحدة 504" تعنى بجمع المعلومات الاستخبارية وتجنيد العملاء في المناطق العربية الحدودية المتاخمة لفلسطين المحتلة، مثل جنوب لبنان، والجولان السوري، والأردن، وسيناء المصرية، إلى جانب بعض المناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويسود تقدير في إسرائيل مفاده بأن محمد شوربة ساعد الحكومة الإسرائيلية على تقديم المعلومات التي ساهمت في إقناع الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قراره باعتبار الذراع العسكري لـ"حزب الله تنظيماً إرهابياً". ويقول المراسل العسكري في القناة العاشرة الإسرائيلية، أورن هيلر، إن "الكشف عن عملاء على هذا المستوى، يقلّص من قدرة إسرائيل على محاربة حزب الله سياسياً، ويحدّ من إمكانيات نزع الشرعية عنه في المحافل الدولية".
ويبدي هيلر اعتقاده بأن عملاء يحتلون مواقع مهمة في "حزب الله" يفترض أنهم ساعدوا إسرائيل في الحصول على معلومات مكّنت من إقناع الاتحاد الأوروبي بالإقدام على خطوته ضد "حزب الله".
ويشير هيلر إلى أنه "في إطار حرب العقول الاستخبارية بين الجانبين، فقد حرص حزب الله على تقليص تداعيات أي اختراقات، من خلال توفير طبقة وقاية ثانية، تمثّلت في تطوير وسائل الحماية والتأمين الهادفة إلى تقليص قدرة العملاء، الذين يمكن أن يندسوا في التنظيم، على المسّ بقياداته ومرافقه الحيوية". ويتوقع هيلر لجوء الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية إلى توسيع تعاونها مع أجهزة استخبارية عالمية، للمساعدة في تعقّب أنشطة "حزب الله" وعناصره.