استدراكات أمنية.. اعـــدام العملاء خلال الحرب
المكتب الإعلامي - وكالات
في يوم الجمعة 22/8/2014، أعدمت المقاومة 18 عميلا متهما بالتعاون مع الاحتلال، وأتبعتهم بأربعة آخرين، وقد لاقت هذه الخطوة ترحيبا عاما من الشارع العام في غزة، وخاصة أن هذه الخطوة جاءت في اليوم التالي لاغتيال الاحتلال ثلاثة من قادة القسام في رفح .
ولم تمض أشهر قليلة على الحرب إلا وظهرت بعض اللقاءات والفعاليات تطرح هذا الحدث على طاولة النقاش بين حضور مختص وغير مختص وثم تخرج ببيانات وكأن الشعب متفق عليها في تجريم ما حدث، بل والدعوة إلى محاسبة من ارتكب هذا الجرم الخطير من خلال القضاء والمحاكم.
والغريب في الأمر أن هذه الصورة التي تشكلت برعاية وتمويل غربي –كانت اللقاءات بتمويل دولة أوربية - لم تتطرق هذه اللقاءات إلى محاسبة المحتل والذي هو أصل المشكلة، وهو أمر فيه الكثير لأن يقال في ملفات حقوق الانسان وفي المحاكم الدولية.
وللموضوعية فإن موقف القيادات الحقوقية في غزة أثناء الحرب كان موقفا وطنيا بامتياز، ولكن هذا الموقف على قوته لا يعطي مبرراً لبعض الجهات الحقوقية وغير الحقوقية لأن تتناول ذات الموضوع من زاوية غربية تسيء وتضر بالوطن ومقاومته وهو الذي ما زال يتعافى من ويلات الحرب الأخيرة.
وقبل أيام قام أحد الصحفيين الشباب بنشر تحقيقا مطولا حول الحادثة والذي عنونها بالعنوان التالي " لم تثبت إدانتهم.. في غزة.. رصاصاتٌ "غير شرعية" تُزهِق أرواح متّهمين بالتخابر".
والغريب في هذا التحقيق الصحفي أنه كتب بطريقة تتنافى مع أبسط مستلزمات التحقيق من أخذ افادات من لهم علاقة بالحدث واكتفى بعرض مادة تستجلب العاطفة مع المتهم بالعمالة ويستخدم لغة أدبية من أجل دفع القارئ لأن يلعن المقاومة وكل من يحمل سلاحا أمام العدو لأنه قد يشارك في قتل هذا العميل البريء!!.
مع التذكير هنا أن حادثة الاعدام تمت بأيدي المقاومة وتحت اسم المحكمة الثورية، ومع ذلك لم يخرج تعليقا من المقاومة حول هذه الكتابات النقدية وبقيت الصورة معبرة عن طرف واحد، الأمر الذي دفعني لأن أكتب رؤية أتمنى أن تكون معبرة عن الجانب الآخر من الصورة ولإحداث نوعا من التوازن وتعديل الموقف.
عندما تصدر مواقف نقدية من جهات لم تعايش تفاصيل الحرب ولم يلاحقها الموت في شوارع الشجاعية أو خزاعة، فإن النقد حتما سيكون قاصرا، و إذا ما دخلت الأهواء المسيسة والدعم الأوروبي فمن حقنا أن نتوقع خطورة النتائج ، ولذلك يجب أن نتوقف عند خطورة المآلات وتداعيات هذه المواقف ، وإن كنا نبقي الاحترام لهؤلاء الأشخاص ونحترم حقهم في الرأي ، ولكن يجب علينا أن نبرز خطورة ما يقومون به ، ونسلط الضوء على جوانب قد تكون غابت عنهم .
ولعله من أخطر هذه التداعيات، أن هذا النقاش على يتم الملأ ويستعرض فيه شهادات غير ذات اختصاص ، وكل ذلك يصبح في متناول الاحتلال وأدواته، وهذا يأتي مع الحديث عن تشكيل لجنة دولية حول جرائم الحرب الأخيرة، وأذكر هنا كيف استفاد جولدستون من تصريحات صدرت عن قيادات فلسطينية لصالح الرواية الصهيونية، بل والأخطر كيف قدمت جهة حقوقية فلسطينية شهادات تجرم الجانب الفلسطيني وتثبت أن الفلسطينيين ارتكبوا جرائم حرب ! .
فهل كل ما يعرف يجب أن يقال ؟ وكل ما يجب أن يقال جاء أوانه لأن يقال ؟ والغريب لماذا يقال ما لا يجب أن يقال في هذا الوقت بالذات ، ومن جهات لا تمتلك التفاصيل ولا رواية ما حصل .
وهنا أؤكد بأن ليس كل متخابر مع الاحتلال وتم التحقيق معه لدى الأجهزة الأمنية في غزة يحكم عليه بالإعدام، فهناك عملاء قضوا مدة حكمهم وتم الافراج عنهم، ومن كتب في الحدث تجده يسرد المعلومات باسهاب غريب وهي ليس بمعلومات وانما هو يستنطق بها أهالي الموقوفين والذين يخلطون مشاعرهم الانسانية وتمنياتهم بالحقيقة، فهم يرون أن أبناءهم لم يدخلوا محاكمات وأنهم يتوقعون الافراج عنهم لعدم ثبوت التهمة بحقهم، وإن كنا نحترم المشاعر الأبوية والعائلية لهؤلاء، ولكن ليس من الحكمة ولا السذاجة أن نسطر هذه المشاعر أحكاما بدلا عن القضاء وأقوالا ثابتة بدلا عن المختصين.
نؤكد هنا أن ملف التخابر مع العدو هو ملف أمني بامتياز ويجب أن ينظر إليه كأحد جوانب الأمن القومي الفلسطيني ، وهو ملف مفتوح بتفاصيله أمام الجهات المختصة ، وليس من الحكمة أن يتم عرض هذه التفاصيل في وسائل الاعلام ويتناولها العامة ، وهو أمر بالتأكيد سيستفيد منه العدو على أكثر من صعيد : أهمها الاستفادة من المعلومات والتي مهما بدت على بساطتها فان خبث رجل المخابرات يحيل الكلمات المتقاطعة جملا مفيدة ، وكذلك فان طرح هذه الآراء الناقدة لما حصل تشجع الناس – ومنهم أهالي من أعدموا- لأخذ الثأريات والجرأة على المقاومة ، وهو هدف كبير لطالما سعى إليه الاحتلال ، ونذكر هنا بمدى روعة الصورة التي صدرها الاعلام الفلسطيني لكافة المواطنين خلال الحرب والتي أظهرت أن الشعب كافة يحتضن مقاومته ، ويعتبر هذا الموقف الشعبي باحتضان المقاومة من أكثر عوامل الثبات أمام ترسانة الاحتلال الصهيوني ، وثبت بالدليل أن رجل المخابرات كان دائما يستقصي مدى قوة الحاضنة الشعبية للمقاوم خلال الحرب.
وأرى هنا أنه من الضروري أن نستعرض دور الرقابة العسكرية الصهيونية على الاعلام خلال الحرب ، ويبقى ذلك بعد الحرب في كل ما له علاقة بالحرب ، فهذا رئيس وزراء العدو الأول بن غوريون في خطاب ألقاه في عام 1948، قال فيه: "إنني أثق أنه يتوجب أن تكون هناك صحافة ناقدة، لكن علينا ألا نعطي معلومة للعدو، علينا ألا نسهم في دب الفزع في أوساط الجمهور " ، ولذلك نجد أن دولة الكيان تفرض رقابة عسكرية على الصحفيين أثناء الحروب، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ، وحتى في الأوقات الطبيعية على شكل ومنهجية الحياة العامة إذا كانت لها صلة بالبعد الإعلامي العام .
حتى وصل الأمر في الحرب الأخيرة صدور فتاوى الحاخامات بحرمة استخدام الواتس أب، ودخلت هيئات الرقابة في حرب حقيقية مع الإعلام العام والإعلام الاجتماعي في دولة الكيان في محاولة لشلّ قدرة المقاومة على التأثير في الجبهة الداخلية أثناء الحرب.
ويحق لنا هنا أن نقول لمن يتناول هذا الموضوع في جلسات هي أقرب للترف الفكري منه إلى التحقيق الموضوعي ، أنه وخلال الحرب قصفت المقار الأمنية المختصة ، ودمرت أماكن الاحتجاز فضلا عن أماكن التحقيق، وتم استهداف رجال الأمن الذين يعملون في المجال الأمني وليس لهم دور في الأعمال العسكرية خلال الحرب، في خضم هذه الصورة غابت طبيعة الاجراءات وقانونيتها، وضعف دور المؤسسة الرسمي، مما أفسح المجال للمقاومة وهي مقاومة رشيدة لأن تقوم بدورها كما تراها من موقعها المقاتل، وليس من موقع الجالس على أريكته يحتسي كأسا من القهوة!!
ولا يفهم مما سبق أن ما تقوم به المقاومة هو من القداسة المحرم مراجعتها أو التعليق عليها، وإنما كل ما قيل وما يمكن أن يقال يجب أن يتم في لقاءات مغلقة وخاصة بالفصائل الوطنية مع الجهات الرسمية وجهات الاختصاص من مراكز حقوقية وغيرها، والتي حينها سيستمع إلى قول المقاومة وتفاصيل الحدث وخطورة الموقف، ولعله من الحكمة التنادي إلى مأسسة ما تم من اعدامات للعملاء خلال الحرب، من خلال اعتماد محكمة ثورية رسمية يجتمع فيها كافة جوانب الادعاء والتقاضي، وتعتمد السرعة فقط في الاجراءات، والتريث والدقة في الشواهد والأدلة وتحري العدالة.