مخيم قلنديا .. قلعة المقاومة وملحمة الوحدة
المكتب الإعلامي - وكالات
يُشكِّل مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين، الواقع إلى الشمال من مدينة القدس المحتلة مخزوناً لا ينضب من التضحية ومقارعة المحتل، الذي أراده مخيماً ضعيفاً يُسلّم ببطشه ويخنع لإجراءاته الإرهابية والعنصرية، لكن المخيم بأزقته وشوارعه يُثبت في كل مواجهة مع الاحتلال أنه الأقدر على صناعة النصر، وكسر هيبة جيشه.
عَهد المخيم المُتجدّد مع الدم والشهادة، لاسيما خلال "انتفاضة القدس" الجارية كان برسم رجاله الأبطال الذين اشتبكوا فجر الثلاثاء الماضي بشكل مُسلّح مع قوة كبيرة من جيش الاحتلال، وتصدوا لهم؛ بذريعة البحث عن جنديين آخرين من وحدة الكلاب (عوكيتس)، فُقد الاتصال بهما بعد أن ضَلَّا طريقهما ودخلا إلى المخيم عن طريق "الخطأ"، بحسب وسائل إعلام العدو.
صمود بطولي
وحيّت فصائل المقاومة الفلسطينية الصمود الكبير الذي حققه شبان قلنديا "الذين خاضوا مواجهات عنيفة أربكت قوات الاحتلال وجعلتها عاجزة أمام الإرادة الوطنية المتمسكة بالانتفاضة والحقوق والثوابت"، مُشددةً على أن هذا الصمود البطولي هو دليل واضح على أن الانتفاضة باتت خيار الشعب كله.
وأسفرت المواجهات العنيفة التي اندلعت في أزقة وشوارع المُخيّم وبلدة "عناتا" شمال شرق العاصمة المحتلة عن استشهاد أحد أبناء المخيم وهو "إياد سجدية" (22 عاماً)، وإصابة عشرات الشُبان الآخرين بالأعيرة النارية والمعدنية وقنابل الغاز، في حين أصيب (10) من جنود الاحتلال، جراح أحدهم متوسطة.
وباستشهاد الشاب "سجدية" ارتفع عدد شهداء مدينة القُدس المُحتلة خلال الانتفاضة إلى (42) شهيداً، بينما ارتفع عدد شهداء مخيم "قلنديا" إلى (10) شُبّان، أربعة منهم ارتقوا عقب تنفيذهم عمليات ضد أهداف للاحتلال وسط وشمال مدينة القدس، وأربعة آخرون استشهدوا برصاص الاحتلال خلال مواجهات في المخيم، وشهيدان ارتقيا برصاص الاحتلال بادّعاء الطعن والدّهس.
تفاصيل الاشتباك
وعن تفاصيل ما جرى في "قلنديا"؛ فقد أفادت مصادر محلية في المخيم أن مئات من جنود الاحتلال اقتحموا المخيم في ساعات متأخرة من مساء الثلاثاء من كافة الجهات، تساندهم عشرات الآليات وناقلات الجند والجرافات، وتغطيهم مروحيات مقاتلة من طراز "أباتشي".
وأشارت المصادر لـ"الاستقلال" إلى أن الاشتباك المسلّح والمواجهات بين جنود الاحتلال وشُبَّان المخيّم استمرت حتى الساعات الأولى من فجر الأربعاء استخدمت خلالها قوات الاحتلال الرصاص الحي بكثافة، وقنابل الصوت والغاز السام والمسيل للدموع، تخلل ذلك فرضها طوقا عسكرياً مشددًا على المخيم، وحولته إلى منطقة عسكرية مغلقة، ومنعت سيارات الإسعاف من الدخول إليه لنقل الجرحى والمصابين.
في السياق، كشف موقع "والَّا" العبري تفاصيل جديدة لما أسماه "دراما ليلة قلنديا"، حيث أوضح أن القصة بدأت عندما ضلَّ الجنديان طريقهما، بعد الاعتماد على تطبيق الخرائط "WAZE"، ووجدا نفسيهما داخل منطقة فلسطينية ومحاطين بعشرات الشبان الفلسطينيين، ولم يتمكنا من الهرب بمركبتهما، واضطرا للفرار من داخلها على الفور وافترقا، بعد حرقها من قبل الشبَّان.
وبيَّن الموقع أن الجنديين التائهين كانا مسلحين، واختبأ أحدهما بزقاق قريب بالمخيم حتى مجيء قوات الجيش، وأطلق النار في الهواء لكي يكشف موقعه للجنود ويتعرفوا عليه، ووصل إليه الجنود وهدأوا روعه وخلصوه من داخل المخيم، زاعماً أن حصيلة العملية هي إصابة (10) جنود من جيش الاحتلال بجراح مختلة، وُصفت جراح أحدهم بالمتوسطة.
وأضاف الموقع: "أما الجندي الآخر فقد فر من الجيب العسكري وبحوزته سلاحه الشخصي باتجاه وادٍ قريب ودخل لمستوطنة "كوخاف هشاحر" ليلاً، وكان ينتظره ضابط أمن المستوطنة، الذي قال إن حالة الجندي كانت صعبة بعد تلقيه لعدة ضربات بالمخيم، ويعاني من الهلع الشديد".
وأكّد موقع "والّا" العبريّ أن جيش الاحتلال فَتح تحقيقاً في ظروف الحادث الذي وصفه بـ"الخطير"، كاشفاً عن أنه طبَّق إجراء "هنبيعل" الذي يقضي بـاستخدام كل ما في حيازة قوات الاحتلال من النيران وبأقصى كثافة ممكنة للحيلولة دون فِرار الآسرين، بعد فقدان الاتصال بالتائِهَيْن بقرار مما تُسمى بقيادة المنطقة الوسطى في الجيش.
نقلة نَوعيَّة
القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في الضفة المحتلة أحمد العوري، اعتبر أن اشتباكات قلنديا غير الجديدة سطرت أروع البطولات في مواجهة الاحتلال الذي حاول مراراً وتكراراً السيطرة على المخيّم، وكسر إرادة شبابه وعنفوانهم المتقّد.
وقال العوري لـ"الاستقلال": "ما حدث في مخيّم قلنديا ليس غريباً على أبطاله من الشُبَّان، مؤكداً على أن ما جرى يُعد نقلة نوعية في عمليات الانتفاضة، التي باتت تشكل كابوساً يؤرق الاحتلال، الذي يَسعى لإطفاء جذوتها.
وأضاف أن ما جرى في قلنديا ينم على أن الانتفاضة ليست خياراً سياسياً بل شعبياً، وأنها في طريقها إلى التطور والتمدُد، رغم محاولات الاحتلال البائسة لإجهاضها، فضلاً عن إجراءاته العنصرية والإجرامية الممنهجة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني.
وبيّن أن إجراءات الاحتلال لم ولن تنجح في وأد شعلة المقاومة لدى هذا الشعب، مشدداً على أن المقاومة والانتفاضة ستستمران حتى تحرير وكنس الاحتلال عن أرض فلسطين، ونيل الحقوق الفلسطينية المسلوبة كافَّة.
خيار الشعب
من جهته، الكاتب والمحلّل السياسي في الضفة المحتلة عبد الستَّار قاسم، رأى أن الاشتباك البطولي الذي دار في مخيم قلنديا للاجئين دليل على أن خيار المقاومة والانتفاضة باتا خيار الشعب. وقال قاسم لـ"الاستقلال": "نأمل أن يكون هذا الاشتباك توطئة لاستخدام أسلوب الاشتباك المُسّلح مع الاحتلال ضمن العمليات الفدائية الفردية التي ينُفذها الفلسطينيون في إطار "انتفاضة القدس" الجارية في الضفة والقُدس المحتلتين منذ مطلع أكتوبر/ تشرين أوّل الماضي، مشيراً إلى أن المخيمات الفلسطينية تمتلك الكثير من الأسلحة التي نستطيع مواجهة الاحتلال بها.
ونوّه الكاتب والمحلّل السياسي إلى أنه ورغم حالة الدعم والمساندة الشعبية التي يقدمها أهالي المُدن والقرى للانتفاضة؛ إلّا أن تلك الحالة بحاجة لتكون أشد عمقاً وزخماً لتطال كل المناطق الفلسطينية المُحتلة.
وتُقدّر مساحة مخيم قلنديا الذي أسسته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عام 1949، نحو (253) دونماً مربعاً، إلى الشمال من مدينة القدس المحتلة، في حين يبلغ عدد سكَّانه ما يقارب (24) ألف لاجئ.
وإلى الغرب من المُخيَّم يقع "حاجز قلنديا" الذي يشهد مواجهات دائمة ومظاهرات احتجاجية ضد الاحتلال، لا سيما أيام الجمعة، والتي يقابلها الاحتلال بالقمع وإطلاق الرصاص المطاطي والقنابل الغازية المسيلة للدموع، تتخللها حملات اعتقال للمشاركين.