تصادف اليوم الذكرى التاسعة والستين، لاستشهاد الشيخ عبد القادر الحسيني في قرية القسطل القريبة من القدس المحتلة، بعد أن قاد معركة ضد العصابات الاسرائيلية لمدة ثمانية أيام.
عبد القادر موسى كاظم الحسيني قائد فلسطيني ولد في القدس في عام 1907، وراح يتلقى علمه في إحدى زواياها إلى أن انتقل إلى مدرسة “صهيون” الإنجليزية تلك المدرسة العصرية الوحيدة آنذاك، منذ طفولته اعتاد على تحمل المصاب الأليم ذلك أنه شب على فقد أمه بعد عامٍ ونصف من ولادته، إلا أنه لم يعان من حرمانه من الحنان والرعاية حيث احتضنته جدته لأمه مع بقية أشقائه السبعة، وهم ثلاث من الأخوات وأربعة صبية وهم فؤاد ويعمل مزارعاً ورفيق مهندساً وسامي مدرساً بالإضافة إلى فريد الذي عمل محامياً.
والده شيخ المجاهدين في فلسطين موسى كاظم الحسيني، شغل بعض المناصب العالية في الدولة العثمانية متنقلاً في عمله بين أرجاء الدولة العثمانية، فعمل في اليمن والعراق ونجد واسطنبول بالإضافة إلى فلسطين.
ونظراً لخدماته الجليلة للدولة العثمانية، أنعمت عليه الحكومة بلقب (باشا)، وعندما انهارت الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى، ووقعت فلسطين في قبضة بريطانيا كان موسى كاظم (باشا) الحسيني يشغل منصب رئاسة بلدية القدس، كما تم انتخابه رئيساً للجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الفلسطيني.
كان الأب موسى أول من رفع صوته في وجه الانتداب البريطاني، وأول من دعا أهل فلسطين إلى الاحتجاج والتظاهر وإعلان السخط والغضب ضد وعد بلفور، فتولى قيادة أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين عام 1920م، وبسبب ذلك عزلته سلطات الانتداب البريطاني عن رئاسة بلدية القدس، فلم يكترث واستمر في نضاله الدؤوب، واشترك في الكثير من المظاهرات، كانت آخرها المظاهرة الكبيرة في يافا في 27/10/1933، حيث أصيب فيها بضربات هراوات قاسية من قبل الجنود الإنجليز ظل بعدها طريح الفراش أياماً، حتى فارق الحياة سنة 1934م.
تربى الابن عبد القادر منذ نعومة أظفاره في بيت علم وجهاد، حيث كان هذا البيت بمثابة الحضن الأول له والذي كان يجتمع فيه رجالات العرب الذين يفدون إلى القدس، لأن والده موسى الحسيني كان رئيساً لبلديتها.
معركة القسطل
ضرب عبد القادر الحسيني خلال معركة القسطل غير المتكافئة مثلاً رائعاً في التضحية والحماسة والاندفاع، وتفاصيل المعركة تدور كما دونها المؤرخون أن الحسيني غادر القدس إلى دمشق في أواخر آذار عام 1948 للاجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية، أملاً في الحصول على السلاح ليشد من عزم المقاومين على الاستمرار والاستبسال في القتال.
تتحدث كتب التاريخ عن هذا اللقاء بين عبد القادر الحسيني واللجنة العسكرية . يقول الحسيني رحمه الله أن اللجنة العسكرية طالبته بعدم افتعال تصرفات فردية ، وأن جامعة الدول العربية قد أوكلت قضية فلسطين إلى لجنة عربية عسكرية عليا ، وطالبوه بعدم الذهاب نحو القسطل، فقال ردا عليهم عبد القادر الحسيني “إنني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي، والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة، إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين، إن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين”.
إلا أنه ما لبث أن عاد إلى القدس مجدداً فور علمه بمعركة القسطل التي بدأت بشائرها وهو خارج القدس، لكنه لم يحمل ما ذهب إليه جميعه فقط نصف كيس من الرصاص، واتجه به مسرعاً إلى القسطل، ولم تكن الدول العربية تريد مواجهة مع بريطانيا ، ورأت أن أي عمل عسكري الآن سيعني مواجهة حتمية مع بريطانيا ، ولكن الحسيني بدأ يرسل إلى المتطوعين من الحركات الإٍسلامية في فلسطين ومصر وما حولها ، ثم إنه طوق القسطل، وبدأ يستنجد مرة أخرى بالقيادة العسكرية.
وأرسل إليهم بأنه بمساعدتهم سينهي الوجود اليهودي فيها ، بيد أن القيادة العسكرية للجامعة العربية أصرت على موقفها . وأثار ذلك الترنح في مواقف الجامعة العربية حفيظة الحسيني، وثارت ثائرته فأطلق صيحته قائلا، “نحن أحق بالسلاح المُخَزَّن من المزابل، إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين، وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم وتواطؤكم”.
وهزأ منه طه الهاشمي وأخبره أن لدى اللجنة العتاد والسلاح ، ولكنها لن تعطيه لعبد القادر، ولكنها ستنظر بالأمر بعد 15 مايو فكان رد الحسيني عليه، “والله يا باشا إذا ترددتم وتقاعستم عن العمل فإنكم ستحتاجون بعد 15 مايو إلى عشرة أضعاف ما أطلبه منكم الآن ، ومع ذلك فإنكم لن تتمكنوا من هؤلاء اليهود ، إني أشهد الله على ما أقول، وأحملكم سلفا مسؤولية ضياع القدس ويافا وحيفا وطبرية، وأقسام أخرى من فلسطين”.
ولكن أعضاء اللجنة لم يهتموا لقوله وسخروامن حماسه واندفاعه، فاستشاط عبد القادر غضبا، ورمى بدبارة كان في يده في وجوههم وقال، ” إنكم تخونون فلسطين، إنكم تريدون قتلنا وذبحنا”.
ثم قفل عائدا إلى القسطل، وقام باقتحام قرية القسطل مع عدد من المجاهدين ما لبث أن وقع ومجاهديه في طوق”الصهاينة” وتحت وطأة نيرانهم فهبت نجدات كبيرة إلى القسطل لإنقاذ الحسيني ورفاقه وكان من بينها حراس الحرم القدسي الشريف، وتمكن رشيد عريقات في ساعات الظهيرة من السيطرة على الموقف وأمر باقتحام القرية وبعد ثلاث ساعات تمكنوا من الهجوم وطرد “الصهاينة” منها.
استشهاده
استشهد عبد القادر صبيحة الثامن من إبريل عام 1948، حيث وجد جثمانه قرب بيت من بيوت القرية فنقل في اليوم التالي إلى القدس، ودفن بجانب ضريح والده في باب الحديد، وقد استشهد رحمه الله وهو في الأربعين من عمره، أي في أوج عطائه الجهادي.
ولما خرج الجميع لتشييع عبد القادر الحسيني أبت قوات الاحتلال الاسرائيلي إلا أن ترتكب مجزرة أخرى فعمدت إلى مهاجمة قرية دير ياسين وأتت أُكلها فلم يبق فيها شيء ينبض بالحياة فقط ركام المنازل وأشلاء الفلسطينيين.