تاريخ النشر : 2011-06-29
مـعــجـزة الإسـراء والمـعـراج
مـعــجـزة الإسـراء والمـعـراج
وقعت معجزة الإسراء والمعراج بعد فترة من الزمان وقعت فيها أحداث حرجة مر بها الرسول صلى الله عليه وسلم, تلاحقت فيها الأحداث, واشتدد فيها اضطهاد المشركين من قريش للرسول صلى الله عليه وسم وأصحابه. وازداد اضطهادهم عنفا وشراسة وأذى وإيلاما. وفقد الرسول صلى الله عليه وسلم, في هذه الفترة زوجه خديجة رضي الله عنها, التي كانت له سندا وعونا. كما فقد عمه أبا طالب, الذي كان, رغم انه كان على دين قومه, مدافعا عنه وحاميا. وحينما ذهب صلوات الله وسلامه عليه إلى الطائف يجد ملاذا, وأمنا لم يجد عند أهل الطائف استجابة وقبولا بل الأعراض والأذى.
في هذه الفترة التي تجمعت خلالها الآلام, وتكاثفت العوائق أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ووقفت قوى الشر في وجهه تصده عن تبيلغ رسالة ربه, وتتربص به الدوائر من أجل القضاء عليه وعلى دعوته الوليدة. في تلك اللحظات التي انتعش فيها الشر واستفحل الباطل, جاءت معجزة الإسراء والمعراج تثبيتا للرسول وتكريما له. وفتحت له أبواب السماء الرحبة, وانتقل في رحلة مليئة بالأحداث والعجائب. وفي فترة قصيرة من الزمن من مكة إلى المسجد الأقصى ثم عرج به رحلة مليئة بالأحداث والعجائب. وفي فترة قصيرة من الزمن من مكة إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماوات العلى: يقول تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} (الإسراء1), فهدف الرحلة كما تبين هذه الآية, أن الله سبحانه وتعالى, يريد أن يري عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بعض آياته. وفي سورة النجم وردت الإشارة إلى بعض تلك الآيات التي شاهدها الرسول صلى الله عليه وسلم, يقول تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى}.
وهكذا كان منطلق الرحلة البيت الحرام ومقصدها المسجد الأقصى ومنتهاها سدرة المنتهى, حيث كشف الحجب وأزيحت الأستار وتلقى الرسول صلى الله عليه وسلم ما تلقى وسمع ما سمع ورأى ما رأى, وأبلغه ربه من منازل القرب ما شاء, واحله مكانه لا مطمع لمخلوق أيا كان ملكا أو نبيا, فيها. وأراه من عجائب ملكه وملكوته ما لم يره أحد من خلقه وزاده رفعة وشرفا وأعطاه لنفسه ولأمته ما أرضى فؤاده وأثلج قلبه, وجعله أعلم العالمين بجلال الله وعظمة سلطانه. واطمأنت نفسه إلى نصر الله تعالى وحمايته سبحانه له ولما بعثه به.
وهكذا كانت هذه المعجزة في جوها العام والخاص بلسما لجراح الأزمات والشدائد التي مرت به صلى الله عليه وسلم فأزالت تلك الآثار التي خلفتها سنوات المطاردة والمضايقة والأذى النفسي والبدني.
حــــــد فــاصــــل:
والإسراء والمعراج لم يكن حدثا عاديا, كما أنه ليس بقصة تذكر فحسب وتروى كل عام, وإنما تمثل حدا فاصلا بين عهد المعاناة والابتلاء وعهد الأمل والثبات والصبر واليقين, ومن ثم لا ينبغي أن نمر بهذه الآية الكبرى من آيات الله مر الكرام, لا سيما لأمة تعيش أحلى اللحظات في تاريخا, وأصابها الوهن والضعف كما لم يصبها من قبل, فأمة هذه حالها ينبغي أن نقف عند وقائع هذه المعجزة, ونتأمل أحداثها ونستفيد من دروسها.
ولعل أول هذه الدروس هو أن الإسراء والمعراج بدأ من المسجد الحرام بمكة وانتهى بالمسجد الأقصى, ولعل في هذه تأكيد للرباط الوثيق الذي بربط بين تلك الأماكن المقدسة, وإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى محمد خاتم النبيين, كما أن في ذلك دلالة عظيمة على وحدة الرسالة التي جاء بها النبيون من لدن آدم إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فيما روي عنه أنه قال: ((مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه, فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة. فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين)).
كما يتبين من ذلك أيضا أهمية المسجد الأقصى لدى المسلم إذ إن له نفس القدسية التي للمسجد الحرام من احترام وحماية واهتمام. وفي هذه المناسبة لا بد من استعادة هذه الحقيقة وتأكيدها, وأن نتذكر أن المسجد الأقصى لا يزال يرزح تحت وطأة الاحتلال الصهيوني الغاشم. وأنه يتعرض لخطر التدمير والتقويض من قبل الصهاينة.
ولا بد أن نذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في هذه المكانة العليا من التعظيم والإجلال من الله تعالى وصف بأنه عبد الله {أسرى بعبده}, فنعلم أن أسمى مكانة ينالها الإنسان هي العبودية لله تعالى التي تتضمن أسمى آيات الحرية وأعلى درجاتها, فالعبودية لله تعالى تتضمن حرية الإنسان من أن يكون عبدا لشيء أو كائن مهما علا قدره وسما.
كما أن في هذه المرحلة شرعت الصلوات الخمس, لتكون معراجا يرقى بالإنسان كلما نزلت به شهوات النفوس وأعراض الدنيا, وهكذا يمكن للمسلم أن يرتفع في يومه ويترقى خمس مرات من خلال الصلاة.
موقــف الصدّيـق:
ولا بد أن نذكر كيفية الرحلة, ونتأمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قطع مسافة تضرب أكباد الإبل لقطعها شهرين, جيئة وذهابا, في جزء من الليل, وهو أمر خارق لنواميس الطبيعة وقوانينها ونظمها. وما ورد من الأحاديث من أن الرحلة تمت على (( براق )) ويضع خطوه عند أقصى طرفه انطلق بالرسول بصحبة جبريل إلى السماوات السبع, لابد أن يجعلنا نتأمل في هذا الكائن الذي يقطع المسافات الشاسعة في لحظات ومشتق اسمه من عالم الضوء والكهرباء, وما يتضمنه ذلك من مغزى عميق وحدوث ذلك في عصر لم يكن أحد فيه يعرف شيئا عن قوانين الضوء وسرعته وطاقات الكهرباء وإمكاناتها.
وأخيرا, فإن موقف أبي بكر الفذ ووقوفه أمام إنكار قريش وعدم تصديقها لهذا الخبر, رمز ليقين المؤمن الصادق المخلص الإيمان, فعندما أخبر أبوبكر بخبر الإسراء والمعراج صدقه دون تردد قائلا: "والله لئن كان قاله لقد صدق". ثم يخاطب قريشا قائلاً: "فما يعجبكم من ذلك, فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه, فهذا أبعد مما تعجبون منه", ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن تفاصيل رحلته ويصدقه في كل جزئية منها فسمي "بالصديق".
وهكذا, نرى أن معجزة الإسراء والمعراج مليئة بالمواقف التي يجدر بالمسلم أن يقف عندها ويتأملها, ويستفيد من دروسها وأحداثها.
جهاز التعبئة والإرشاد
كتائب المجاهدين