تاريخ النشر : 2009-08-16
الشباب الفلسطيني بين التعصب؛ الانقسام؛ وحُــلم الوحدة !!
بقلم /علي زيدية
كيف يمكن تقييم واقع الشباب الفلسطيني في ظل حالة الحصار والانقسام والتعصب؟ هل التعصب ظاهرة؟ هل استفحل هذا الداء ليصبح ثقافة؟ أم أنه طارئ على المجتمع الفلسطيني؟ أم له أسباب أيديولوجية وتاريخية تزيدها حدة وشدة المنابر الإعلامية والدينية؟ ما هي الظروف التي تعمل على استمرار هذه الحالة؟ ومن هو المسؤول؟ وهل هناك بارقة أمل للخروج من هذا المشهد المخيف؟ ما هو دور العائلات والإعلام والتعليم والدين والمجتمع المدني في مواجهة خطر التعصب ونار الانقسام من جهة، واستعادة وتعزيز الوحدة وثقافة الحوار من جهة أخرى؟
..للإجابة على هذه التساؤلات نستعرض في هذا المقال جملة من الأفكار والمعطيات التي تساعدنا في محاولة الكشف عن أسباب وتداعيات حالة التعصب؛ مع تسليط الضوء على دور الشباب الفلسطيني في تغيير واقعهم نحو الأفضل.
مشهد يمور بالاختلافات..!
للتعصب معاني وأشكال وأسباب ونتائج تصيب من يقع فيه بخطر التفتت والاندثار، من بينها التشدد، وأخذ الأمر باليد، ورفض الرأي المخالف؛ ولو كان على صواب. لذلك؛ نستطيع تسمية المتعصب بـ "الجاهل" وأعمى البصر والبصيرة .. وهو نقيض "التسامح" و"الانفتاح".
وتشهد الساحة الفلسطينية، في اللحظة الراهنة، حالة من الانقسام في الشارع السياسي امتدت إلى المؤسسات الوطنية والأهلية، بل ووصلت إلى العائلة الواحدة .. وهذه ليست المرة الأولي؛ لكنها -ربما – هي المرة الأصعب في تاريخ شعب فلسطين. فمنذ عشرينات القرن الماضي شهدت فلسطين حالة من الانقسام السياسي بين تيارات وجماعات فكرية وثقافية ونضالية داخل إطار الحركة الوطنية، تخللها موجات من الصراع والخلاف السياسي .. وفي ثلاثينيات ذات القرن ثارت الخلافات والصراعات ما بين "المجلسيون" الموالين للمجلس الإسلامي الأعلى والمعارضين لهم في العمل السياسي الفلسطيني... ومع صعود العمل الوطني الفلسطيني، ومع نشأة منظمة التحرير الفلسطينية؛ ظهرت مجموعة من التيارات الوطنية المختلفة التي توزعت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، والتي توزع بينها الناس حسب ظروفهم وعلاقاتهم؛ نتج عنها الكثير من الخلافات والاختلافات حتى ضمن الفصيل الواحد، ثم بعد ذلك نشأت وامتدت ما تسمي بـ "التيارات الإسلامية" (الإسلام السياسي) في فلسطين.. ودارت واشتدت الخلافات بين التيارات التاريخية (الوطنية) والتيارات الصاعدة في العمل السياسي الفلسطيني (الإسلامية على وجه الخصوص).
ومن الضروري القول بأن الاجتهادات في العمل السياسي والوطني والمقاوم الفلسطيني مسألة مشروعة وطبيعية، لا بل إنها تلبي حاجة ومصلحة وطنية كبرى، شريطة أن تُضبط وتُنظم وفق آليات ومؤسسات دستورية من جهة، وتحميها قيمنا وإرثنا الوطني والديني من جهة ثانية، والأهم؛ الإحساس بوجود عدو مشترك يتمثل بالكيان الصهيوني من الجهة الثالثة.
التعصب الحزبي، دوافع وأسباب..
وتتوزع أسباب تفشي ظاهرة التعصب الحزبي في فلسطين على أكثر من عامل؛ يأتي في مقدمتها:
- حالة الانقسام السياسي الداخلي (التي تمثل سببا ونتيجة في ذات الوقت).
- حالة التشويش التي تصيب المشهد الثقافي السائد بسبب الحالة الفصائلية والحزبية المستشرية.
- ممارسات الاحتلال الإسرائيلي من حصار ومنع وحرمان، بالتالي؛ امتداد طوابير البطالة وحالة الفراغ الكبير؛ خاصة بين صفوف الشباب والخريجين.
- ضعف مكونات النظام السياسي الفلسطيني، وتراجع دور مؤسسات المجتمع المدني.
اجتماع ذا خصوصية..
ويتميز المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع الفلسطيني بشكل خاص بسمات اجتماعية فريدة، تصب في نهاية المطاف باتجاه تعزيز ظاهرة التعصب، منها، بحسب ما جاء في دراسة الدكتور عادل الدمحي، ما يلي:
- تضخم الذات: كما قال الله تعالى على لسان فرعون: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}( سورة فاطر 29). وهذه الذات المتضخمة قد تكون "ذات" الشخص أو "ذات" الجماعة أو "ذات" الدولة.
- الجهل والتخلف المعرفي: فالجهل بالآخر وعدم توسيع المدارك بمعرفته والإطلاع على ما يؤمن به، يدعوه إلى التعصب ضده ورفضه، وحسبنا أن نقول: إن الهجوم على الإسلام اليوم ومحاربته من كثير من الشعوب الغربية هو بسبب الجهل بمبادئه وعدم معرفته على الحقيقة، هذا مع التشويه المتعمد وغير المتعمد من قبل وسائل الإعلام وغيرها.
- تقديس البشر والغلو فيهم: كما قال تعالى: { إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} وهذا التقديس والغلو يصل إلى حد إضفاء صفة العصمة والقداسة، مما يؤدي إلى التعصب لهذا الشيخ أو لهذه الجماعة أو الفصيل.
التعصب؛ نتائج وتداعيات..!
كل ما ذكرناه فيما سبق من مظاهر التعصب وأسبابه، تفرض علينا ذكر تداعياته على المجتمع الفلسطيني، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
- حالة الانقسام والتفسخ الاجتماعي: من المؤكد أن استمرار حالة الانقسام السياسي الحاد داخل المجتمع الفلسطيني تعزز وتكرس ظاهرة التعصب والتطرف بين الأفراد والجماعات.فهناك علاقة ترابطية (السبب والنتيجة) بين مسألة الانقسام والتعصب، وبالضرورة في حالة تم التوافق والحوار والوحدة بين الفرقاء والمتخاصمين سياسيا فإنه سينعكس ،إذا ما صدقت وصلحت النوايا، على أتباع الجماعات، بالتالي؛ تتراجع العصبية وتتعزز قيم التوافق والديمقراطية.
- استنزاف وهدر طاقات المجتمع، وإصابة قطاعات العمل الثقافي والتنموي والمؤسسي بالشلل، فبدلا من استثمار جهود وقدرات الشباب في البناء والنهوض بمشروعنا الوطني الفلسطيني؛ تلهينا حالة التعصب والانقسام عن المسار الصحيح، وتدفعنا إلى الانشغال في الردود والانفعالات والتراشقات والاتهامات وتسجيل المواقف. وبالنتيجة نعود إلى الوراء، حيث تراجع دور الشباب في المبادرة ودائرة الفعل الوطني والإنتاجي في كافة الميادين.
- تراجع درجة دعم ومساندة العالم الخارجي للقضية الوطنية الفلسطينية. وليس أدل على ذلك من غياب الدعم العربي، في لحظة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث تحاصر غزة لأكثر من عامين، وتشتد الهجمة على الضفة، ويقتحم المسجد الأقصى من قبل جماعات صهيونية، مع بناء كنيس يهودي على بعد أمتار عن المسجد الأقصى، وهذا يحدث لأول مرة.
التعصب.. علاجات وحلول
تثار التساؤلات والملاحظات حول دور الجامعات والمساجد والمؤسسات الإعلامية، إلى جانب دور الأسرة والمجتمع المدني والأحزاب في معالجة ومواجهة آفة التعصب الحزبي ونار الانقسام الداخلي من جهة، ونشر ثقافة الحوار والديمقراطية من جهة أخرى..
فعلى صعيد الجامعات، رأينا غيابا - كاملا- لدورها في عقد الورش والمؤتمرات واللقاءات الشبابية والطلابية لحث الشباب على ثقافة الحوار والديمقراطية ونبذ ثقافة التطرف والتعصب بكل أشكاله وأنواعه. وبالتالي؛ فمن الضروري تفعيل دور الأطر الطلابية لنشر قيم التسامح والحوار بدلا من المناكفات ودعوات الثأر والانتقام...
أما على صعيد دور المؤسسات الإعلامية، فيمكن تكريس دورها الإيجابي من خلال تلطيف الأجواء، ونشر الأخبار بمصداقية، وتقديم البرامج التي تعزز من ثقافة الوحدة والحوار، من خلال استضافة الأصوات الداعية إلى نبذ الفتنة وعودة اللحمة للمجتمع الفلسطيني... وهناك بعض الإذاعات المحلية في غزة التي قدمت نموذجاً راعاً ومشرفاً في هذا الإطار.
وعلى صعيد دور الأحزاب والحركات الوطنية والإسلامية فهناك دور كبير يمكن لها القيام به، وخصوصا ما يمكن لقادتها أن يقدموه من نماذج صالحة ومشرفة تلتزم بحرمة الدم الفلسطيني، وتتبني بمصداقية ثقافة الحوار والوحدة والشعور بـ المصير المشترك لكافة قطاعات وشرائح الشعب، بدلاً من ثقافة الإقصاء والإلغاء والتطرف الفكري والديني والسياسي الذي أوقعتنا في حالة الانقسام الكبير.ولدعاة المساجد دور لا يبارى في المحافظة على المجتمع الفلسطيني في حالة من السلم الأهلي، فدورهم يعزز ثقافة الحوار الصحي والهادف والهادئ، وقيم التسامح والعدالة والارتقاء برواد المساجد من خلال تعليم آيات وأحاديث إسلامية وليس شعارات حزبية وسياسية تكرس حالة التعصب والانقسام.
كذلك فللأسرة الفلسطينية دور كبير هي الأخرى، حيث يقع على عاتقها مسؤولية مواجهة تفشي ظاهرة التعصب والعنف بين صفوف الأبناء والشباب، والعمل على تغيير تلك الثقافة والسلوك المرعب والمخيف من خلال غرس قيم وثقافة الحوار والتفاهم والعيش المشترك ونبذ كل أشكال وممارسات العنف والتعصب والتطرف الفكري أو الديني أو الحزبي. وليس خافيا أن الأسرة الفلسطينية الواحدة نجد فيها كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، لكننا نلاحظ، في هذه اللحظة الفرقة من تاريخ شعبنا، أن هذا التنوع في الميول والاتجاهات داخل الأسرة الواحدة تحول من ظاهرة إيجابية إلى حالة مخجلة ومحزنة في ذات الوقت، فالكثير من الحالات التي نعاينها يوميا تفيد باشتعال نار الخصومة والعنف والإيذاء المادي والمعنوي بين أفراد الأسرة الواحدة عندما يتحاورون، فيتحول حوارهم إلى سجالات ومناكفات غالباً ما تنتهي بمد الأيدي والشتائم. حتى على مستوى الكبار يغيب عنهم روح التحاور بأدب واحترام نتيجة الجو السياسي المشحون السائد في المجتمع، حيث أن حالة الاحتقان والانفعال بسبب نار الانقسام وظلم الحصار أدت إلى تراجع الكثير من المعاني الجميلة داخل الأسرة الواحدة، مما أدي إلى تدهور أساليب التنشئة والتربية الأسرية والاجتماعية الفلسطينية.
أما على صعيد دور مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني من نقابات واتحادات وجمعيات أهلية ونوادٍ ومؤسسات حقوقية وإنسانية كذلك المؤسسات العمالية والتنموية الشبابية والنسائية، كلها مدعوة إلى ضرورة تبني ميثاق شرف فلسطيني يحث كل أعضائها وروادها على تبني وتعزيز قيم التسامح والانفتاح وثقافة الحوار ونبذ التطرف والتعصب بكل أشكاله.
وأخيرا، فهناك دور مركزي لما تبقى من مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، فعلى الرغم من ضعفها وترهلها وتراجع دورها تجاه المواطن الفلسطيني في الضفة والقطاع، إلا أنه من الممكن لها لعب دور أكبر في نشر وتعزيز قيم وثقافة الحوار والتسامح بين الموظفين والمسؤولين والإدارات والمؤسسات الرسمية، من خلال تقديم نموذج قيادي وطني مشرف بدءً بالرئاسة والحكومة بوزاراتها وأجهزتها المختلفة، وليس انتهاءً بنواب البرلمان الفلسطيني الذي يشهد منذ انتخابات عام 2006 حالة من الانقسام والتعطل الكامل لدوره التشريعي والرقابي والوطني.
رغم هذا يستطيع النظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته (إلى جانب كل ما ذكرناه من عناصر يمكن لها أن تساهم في إبعاد شبح الفرقة والانقسام) تقديم رؤية ونموذج جديدين – إن صدقت وصلحت النفوس والنوايا – وبالتالي؛ يعيد للمجتمع الفلسطيني وحدته ولحمته، وتوجيه البوصلة من جديد تجاه القضايا المصيرية المتمثلة في عملية البناء الوطني من أجل تحرير الأرض والمقدسات. وإلى أن يتم تحريرهما فمن الضروري المحافظة على إيمان الشباب الفلسطيني الواعد إن شاء الله، والذي يمثل كنزا لا يقدر بثمن على طريق التحرير والبناء.