تاريخ النشر : 2009-08-19
لا تزايــــــــدوا على غــــــزة!!
بقلم/ الشيخ كمال خطيب
لقد أصطلح على تسمية يوم القيامة بيوم الفضيحة ذلك لأن يوم القيامة فيه تكشف الأسرار وتهتك الأستار وينكشف المخبوء ويظهر كل إنسان على حقيقته، وحتى ما كان منه مجهولا ولا يعرفه عنه كل الناس، فإن يوم القيامة يأتي كل إنسان ومعه صحيفة عمله فيها ما صغر من اعماله وما كبر وما خفي منها وما ظهر ولذلك كان قول الله تبارك وتعالى متحدثا عن دعاء المؤمنين لذلك اليوم قوله سبحانه {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد} (آية 193، آل عمران).
لكن يبدو أن من الناس من تسبق فضائحهم ومخازيهم يوم القيامة مخاز في الدنيا وفضائح تكون هي من نتائج أفعالهم وصنيعهم وسوء تدبيرهم.
وها هي أحداث غزة ومجازر"إسرائيل"فيها من قتل الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء وهدم المساجد والجامعات والمدارس والمستشفيات والقتل بالجملة وإبادة عائلات باكملها، ها هي مجازر"اسرائيل"في غزة تحرك البشر والحجر والعرب والعجم المسلمين وغير المسلمين، اللهم إلا مجموعة من الزعماء العرب الذين تبلدت مشاعرهم وماتت نخوتهم حتى انهم كانوا جزءا من هذا الحصار الظالم ومن هذه المجازر الدموية شاؤوا أم أبوا.
إنهم الذين رفعوا شعارات وادعوا انتماءات للعروبة والاسلام وان العروبة والاسلام لتأبى وتخجل من ان ينتسب اليها امثال هؤلاء، ولعله صدق فيهم قول الشاعر:
رب وامعتصماه انطلقت - ملء أفواه الصبايا اليُتَّم
لامست اسماعهم لكنها - لم تلامس نخوة المعتصم
لا بل إن أحداث غزة قد فضحتهم لدرجة ان مسلما غير عربي هو رئيس وزراء تركيا رجب اردوغان كان اكثر حرقة منهم على اهل غزة، لا بل ان زعيما كزعيم فنزويلا تشافيز كان صاحب نخوة اكثر منهم ففعل مالم يفعله أحد من هؤلاء الزعماء الذين تربطهم"بإسرائيل"علاقات دبلوماسية يوم قام بطرد سفير"إسرائيل"من فنزويلا قائلا:"ان كرامتي لا تسمح لي بالسكوت عما يحصل في غزة". يا سبحان الله؟!
ولقد ذهب احدهم ابعد من ذلك في بيان كيف فضحت غزة زعماء الامة اليوم،كشفت حقيقتهم بالقول:"لو ان ابا جهل حي لتحركت نخوته العربية وانتصر لاهل غزة وهو يرى نساءهم ممزقة الاجساد مهتكة الاستار،يجلس الجنود"الاسرائيليون"في غرف نومهم التي هجروها خوفا ورعبا"،انه ابو جهل صاحب العداء السافر للاسلام الا ان نخوته العربية ابت عليه يوما وقد قال له احدهم:"تعال نصعد سطح بيت محمد صلى الله عليه وسلم ونلقي عليه حجرا كبيرا نقتله به"، فغضب ابو جهل وقال:"لا.. اننا ان صعدنا السطح فلعلنا نطلع على عورات بنات العم"!!!
فكيف وبنات العم اليوم من نساء وحرائر غزة يستنجدن بأصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والسمو والمعالي من الزعماء العرب،ولكن تشافيز سمع وانتخى قبلهم. فيا للعار!!!
لقد أسمعت لو ناديت حيا - ولكن لاحياة لمن تنادي
انظروا في عيون أطفالكم وامهاتكم
هذه الحرب العدوانية المجنونة التي قامت بها"اسرائيل"ضد أهلنا في غزة حصدت إلى الآن ارواح ثلاثة مجندين عرب، درزيين ومسلم، وما يزال آخرون في المشافي يعالجون جراحاتهم التي اصيبوا بها وهم يشاركون في المجزرة ضد اهلنا في غزة.
وانني اتساءل وأقول: حتى متى سيبقى منا عرب يكونون وقودا لحرب اجرامية دموية يخطط لها ويقودها مصّاصو دماء ممن يريدون بناء مجدهم السياسي والانتخابي على جماجم الاطفال والنساء والابرياء من ابناء شعبنا؟!
انني اسأل وأتساءل كيف قبل هؤلاء المجندون ان ينقادوا لأوامر ظالمة ستقودهم إلى ان يقفوا وجها لوجه امام ابناء شعبهم فيقتلون ويقتلون.
أفلا يرى أولئك المجندون جثث الاطفال الممزقة ورؤوسهم المقطعة بفعل قنابل الموت"الاسرائيلية"؟ أفلا يرون المجازر الجماعية يرتكبونها بحق ابناء شعبهم؟!
انني انادي هؤلاء المجندين ممن قد يكون مصيرهم القتل والموت في هذه الحرب المجنونة اناديهم قبل ذلك ان ينظروا في عيون اطفالهم وصغارهم فهل ستقول له عينا طفله وطفلته الصغيرة:"أقتل يا أبي! اذهب إلى غزة وشارك في المجزرة!"؟ إنني اناديهم بان ينظروا في عيون زوجاتهم وامهاتهم قبل ان يخرجوا إلى القتال فهل ستقول لهم عيون زوجاتهم وامهاتهم اذهب ورمل النساء وأثكل الأمهات ولوع قلوبهن بقتل ابنائهن وأزواجهن.
انني انادي الآباء والأمهات من اهالي المجندين العرب دروزا ومسلمين ومسيحيين بأن يوقظوا هم ضمائر ابنائهم إن كانت ضمائرهم قد نامت او ماتت، بل انني أناديهم ان يلزموهم بالامتناع عن المشاركة في مجازر دموية ضد ابناء شعبهم ومن يتكلمون بلغتهم. يا هؤلاء الآباء لا تسمحوا بأن يكون ابناؤكم وقودا لنارالحقد والجنون والكراهية يشعلها طلاب سياسة ومناصب، انه لا عذر لأي منكم في ان يصمت عن هذه المجازر الدموية حتى لو كان الثمن السجن او اكثر من ذلك. يا هؤلاء أعود لأذكركم بأن تنظروا في عيون اطفالكم وامهاتكم وزوجاتكم لأن اشعاعات الطفولة وحنان الأمومة والمودة الزوجية ستقول لكم لا تذهبوا للقتال هناك في غزة ولا تقتلوا الاطفال والنساء والشيوخ.
دعوا غــــــــزة تلعق جراحــــــــها
لا شك أن حالة التضامن مع غزة واهلها هي حالة غير مسبوقة وتجاوزت كل التوقعات على الصعيد الشعبي تماما مثلما انها تجاوزت كل التوقعات خيبة الأمل من المستوى السياسي والرسمي.
ولكننا كنا نتمنى ان يكون هذا الموقف تلقائيا يمليه الواجب والشعور الوطني والقومي والاسلامي والانساني تجاه اهل غزة كل من خلال ما يربطه بغزة من روابط.
إلا اننا لمسنا وشاهدنا وسمعنا من يقوم بهذا الواجب من المعاضدة والمناصرة والاعتزاز بالصمود الاسطوري لأهل غزة ولكنه يسخر هذا الموقف وهذه الوقفة لمصالح حزبية ضيقة.
وإنني اتحدث عن الساحة السياسية الداخلية خاصة مع اقتراب موعد انتخابات الكنيست 1-2-2009 حيث الرمزية بل والصراحة في ربط مواقف المؤازرة والمناصرة والاغاثة لاهلنا في غزة بالقوائم الانتخابية وصندوق الاقتراع، اننا نرى احدى القوائم الانتخابية ممن قامت بحملة اعلامية عبر لافتات الشوارع الضخمة وصفحات الصحف تتحدث عن نزيف الدم بغزة وان غزة لا تركع للدبابة والمدفع ولكنها مذيلة بتوقيع هذه القائمة لا بل انهم وبعد انفضاض مظاهراتهم المشتركة مع قوى يهودية في تل ابيب فقد كتبوا قائلين بأن هذه الألوف التي شاركت ضد العدوان على غزة ستتجند كلها لخدمة تلك القائمة في انتخابات الكنيست القادمة.
وان من يراقب صحيفة هذه القائمة فإنه يعجب شديد العجب لهذا الانعطاف الحاد في الاسلوب والمصطلحات، انهم وإلى الامس القريب كانوا لا يتحدثون عن الحكومة الشرعية في غزة الا بقولهم"الانقلابيون ومليشيات حماس والذين مزقوا الصف الفلسطيني"،وما إلى ذلك من مصطلحات تشير إلى موقفهم الداعم لسلطة رام الله وتبنيهم الكامل لوجهة نظر الفاسدين من تلك القيادة أمثال ياسر عبد ربه والطيب عبد الرحيم وغيرهم من حاشية أبي مازن.
لا بل انهم عبر تلك المواقف قد ساهموا في اذكاء نار الفتنة الداخلية، لا بل انهم ساهموا في تشديد الحصار على غزة عبر مساندتهم لسلطة رام الله التي ما عاد احد يشك في دورها المشبوه في تشجيع الحصار على غزة عبر علاقتها المميزة بمصر و"اسرائيل".
إنني أستغرب كيف يتحول هؤلاء وبعد هذا الصمود الاسطوري (للانقلابيين) ليصبح هؤلاء الانقلابيون هم (المقاومون الابطال)،(المقاومة الباسلة) في نظرهم بعد ان كانوا إلى الامس القريب انقلابيين ومليشيات حماس.نعم، انهم يتحدثون وينشدون ببطولات المقاومة في غزة وتصديها الاسطوري لآلة الحرب"الاسرائيلية"ناسين ومتناسين كيف كان موقفهم منها بالأمس القريب.
ومثل هذه القائمة التي ستخوض الانتخابات القريبة فانها قائمة ثانية ممن شاهدنا كيف رفعوا رموزهم الانتخابية وشارات قائمتهم في مسيرة نصرة غزة التي كانت في مدينة سخنين حيث كتبوا رمز قائمتهم على وجه اللافتة بينما على الوجه الآخر كانت صور للاطفال والنساء الشهداء في غزة، وها هم يرفعون مثل القائمة الاخرى لافتات الشوارع الفخمة التي تتحدث عن غزة ودماء اهلها وشهدائها الاطفال والنساء، موقعة باسم قائمتهم الانتخابية البرلمانية.
وليس هذا فحسب بل ان من يتابع مقالات احد اركان تلك القائمة فانه سيجد العجب العجاب انه بنفس منطق القائمة الأولى سيتحدث عن انتصارات المقاومة وبطولاتها واستبسالها وعن حتيمة انتصارها وعن غباء القيادة"الاسرائيلية"، انه الذي يشيد بالموقف البطولي والصمود الاسطوري للمقاومين في غزة وكأنه مرشدهم الروحي بينما كان إلى الأمس القريب لا يترك فرصة الا وينتهزها في الهمز واللمز بالفكرة واصحابها لا بل انه كان العراب لسياسة ابي مازن ومستشاره غير الرسمي.
انه على مدار تاريخ حركة حماس فقد كان الموقف منها دائما سلبيا وساخرا لا بل انه تجاوز ذلك إلى حد دق الاسافين وتشجيع ومناصرة من خرجوا على حركة حماس وارتموا في حضن الرئيس الراحل ياسر عرفات وقبلوا بان يكون وزراء عنده وكان بتشجيع من ذلك الشخص، والجواب عند الوزير عماد الفالوجي وعند الوزير طلال سدر رحمة الله عليه.
ترى فما الذي حصل اليوم بعد أن شاهدت الدنيا انفضاح وانكشاف سلطة رام الله"رغم التوجيهات الرشيدة"وكيف اصبحت هي و"اسرائيل"في جهة بينما الشعب الفلسطيني وقيادته النظيفة في جهته أخرى فما بالهم اليوم يشيدون بنفس اولئك ويفتخرون ببطولاتهم، انني انصحهم بترك غزة تلعق جراحها وألا يبحثوا عن مجد موهوم يبنى ويكتب بأحرف حمراء.. واذا ارادوا الافتخار فليفتخروا بانجازاتهم عبر مقاعد البرلمان وليس عبر ركام غزة وجراحاتها. انني اقول هذا واكتبه دون تفصيل والا فإن ارشيف مقالات أولئك وخطبهم الرنانة التي تؤكد ما اقول محفوظة فلا يضطرونا لفتح تلك الملفات، يا هؤلاء لا تفاخروا بانجازات غزة ورجالاتها البطولية بل فاخروا بانجازاتكم البرلمانية، والاصل ان تفاخروا بانجازات من تجندتم كلكم لدعمه وتعزيز موقفه وسياساته، انه ابو مازن، ام أن هذه المواقف الآن مخزية و"بتسود الوجه وبتوطي الراس؟!".
لا تزايــــــــدوا على غــــــــزة
كم هي عظيمة ومباركة وقفة اهلنا في الداخل الفلسطيني نصرة لاخوانهم في غزة البطلة الصامدة التي بصمودها فانها بعثت العزيمة والشموخ والكبرياء في كل مسلم وعربي وفلسطيني اينما كان في هذه المعمورة.
ولعل مظاهرتي سخنين وباقة الغربية اللتان بهما لبى أهلنا نداء غزة كانتا المثال الحي على هذه النصرة.ومع احترامي للجنة المتابعة التي نحن في الحركة الاسلامية مركب من مركباتها، الا ان الاستجابة كانت لنداء غزة وليس لنداء لجنة المتابعة عبر ذلك الحشد غير المسبوق منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا حيث شارك في مظاهرة سخنين ما زاد على مئة الف من اهلنا في الداخل، وفي باقة الغربية زاد عدد المشاركين على خمسين الفا نصرة لأهل غزة وصمودها الاسطوري ومقاومتها الباسلة.
ولكن اللافت وتحديدا في مظاهرة باقة الغربية يوم وقف العريف وهو السيد عبد عبنتاوي سكرتير مكتب لجنة المتابعة ليقول بأن"هذه الحشود قد جاءت لتناصر أهلنا في غزة بدافع وطني وقومي وإنساني"ولا ادري هل تغييب الدافع الاسلامي قد كان سهوا او عمدا.
واذا كان السيد عنبتاوي عريفا توافقيا فهل كان من حقه تجاهل من جاؤوا بدافع اسلامي خالص قبل الدافع الوطني والقومي وأشدد على كلمة"قبل".نعم اننا في الحركة الاسلامية لا نخجل ولا نتردد في اعتبار الرباط الديني أقوى من الرباط القومي والوطني.
وهل يجهل او يتجاهل السيد عنبتاوي ان ما يحارب في غزة هو ليس المشروع الوطني ولا القومي وانما هو المشروع الاسلامي الذي اختاره اهل غزة في انتخابات ديمقراطية؟! وهل تجاهل السيد عنبتاوي ان هذا الصمود الاسطوري هو صمود الإسلاميين اصحاب اللحى وحفظة القرآن وحاملي الرايات الخضراء(لا اله الا الله محمد رسول الله) وان ذلك الحصار وهذه المجزرة كانت عقابا لهم على ذلك الاختيار؟!
وليس هدا فحسب بل ان السيد عبد عنبتاوي وباسم الحشد والحضور قد قال (اننا نحيي باسمكم الرفيق تشافيز رئيس فنزويلا على وقفته مع الشعب الفلسطيني وطرده لسفير"اسرائيل"من بلاده)،ولما همس في أذنه أحد الأخوة قائلا مذكرا بأن يحيي رئيس وزراء تركيا اردوغان وليس ان عنبتاوي لم يفعلها لأنه تعمد تجاهل اردوغان، الا أن احد اعضاء الكنيست وهو رفيق جبهوي بادر بالقول:"بستاهلش.. انه امريكي!".
لست في معرض الدفاع عن اردوغان الذي وكما يبدو فإن مصطلحاته الاسلامية التي عبر بها عن نصرته لأهل غزة اغاظت الرفاق،اذ كيف ومن اين ومن اعطى الحق لعريف توافقي ان يعبر عن قناعاته تلك مع العلم ان موقف اردوغان كان أسرع من موقف تشافيز ومع التأكيد ان شعبنا في هذه المرحلة بحاجة إلى كل صوت يناصره ايا كان مصدره.
إنه من نافلة القول اعادة التأكيد أن غزة قد حوصرت وجوعت وحوربت لأنها اختارت لها قيادة تحمل مشروعا هو المشروع الاسلامي بعد أن فشلت المشاريع القومية وادعياء الوطنية ممن اصطفوا في خانة واحدة مع الاحتلال ضد ابناء شعبهم وممن فرطوا بالقضية الفلسطينية عبر اتفاقيات خائبة وفاشلة.
فها هي غزة اليوم تقف منتصبة عزيزة شامخة تصفع كل المتخاذلين وتقاوم اشرس المعتدين المحتلين، ها هي غزة اليوم تقول:"الحصار ولا العار"و"الجوع ولا الركوع"و"تموت الحرة ولا تأكل بثدييها"، فاحترموا غزة ومشروعها وقيادتها ومقاومتها ولا تزايدوا على غزة.
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي بالمغفرة
{والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون}