تاريخ النشر : 2009-08-21
أمة تتربى في مدرسة رمضان
يخطئ من يظن بأن النهوض المادي والازدهار الحضاري لدى أمة من الأمم حالة معزولة عن رقيها الروحي ورصيدها الإيماني، فطريق النهوض لا بد أن يمر بحياة روحية إيمانية مستقرة تعيشها الأمة وتشكل عدتها وزادها وهي تواجه تحديات الحياة وتصب جهودها لاحتلال الموقع الريادي الذي أراده الله لها، إن الأمة الإسلامية صاحبة الدور في هذه الحياة وهي مطالبة بأن تقيم النموذج الإسلامي في ذاتها وأن تنقله إلي غيرها، ولا يتأتى للأمة القيام بهذا الدور ما لم تكن في مستوى التأهيل الإيماني المناسب الذي يمكنها من ذلك.
ورمضان ذلك الشهر المبارك الذي شهد نزول القرآن (( دستور الأمة )) هو تلك المدرسة التي تلتحق بها الأمة كل عام وتتخرج لتنال الجائزة في يوم الجائزة وهو أحد أهم محطات التأهيل التي أعدها الخالق سبحانه وتعالى لهذه الأمة لكي تجلوا ما ران علي صدرها وتصل ما قطع بينها وبين ربها.
رمضان محطة تأمل واستذكار ومنعطف مراجعة وتدبر... و موسم تجدد... وتأهل تلتقط فيه الأرواح المتعبة أنفاسها من متاعب الدنيا إنه رمضان وهو ليس شهر الطاعة فحسب ولكنه مناسبة لفتح صفحة جديدة واستهلال عهد جديد تنبذ فيه المعصية، إنه ولادة جديدة لأمة بحاجة إلي هذه الولادة لتسترجع ما فاتها وتستدرك ما أضاعته وتتبوأ المكانة التي تليق بها بين الأمم.
في مدرسة رمضان لا يتخرج العباد والزهاد فحسب، ولكن يتخرج المجاهدون والعلماء والصانعون والمبدعون والحكام العادلون....
وكل هذه الأصناف التي لا تستقيم حركة الحياة إلا بها والتي لا يتحقق النهوض الفعلي من دونها، وفي هذه المدرسة التي أرسى الخالق دعائمها تقف الأمة كلها أمام سجل إنجازاتها وما فعلته خلال عام مضي وما تود فعله في عام قادم وتضع يدها على عوامل الضعف وعناصر الخلل والفساد لتهيئ لها العلاج المناسب وتعاهد الله عز وجل على السعي الحثيث لاستكمال مستلزمات الإسلام.
ليس مصادفة ولا مجرد مفارقة أن تتحقق طموح الإسلام ومنجزاته الكبرى في شهر رمضان وأن يقترن بالنصر والتمكين فالفيض الإيماني والانتعاش الروحي الذي يحدثه الصيام بالمسلمين لابد أن يتفجر في نفوسهم ومهجهم حماسة للجهاد والاستشهاد ورغبة في الاقتراب من الله عز وجل ببذل النفوس قرابين لنصرة هذا الدين وإعلاء رايته.
إن امة مسلمة تتربي في مدرسة رمضان لا يمكن لها أن ترضى بموضع أدنى وبحالة الذل والتراجع ولا يطيب لها بأن تكون أمة مستضعفة يطمع بها أعداؤها ويستصغرون شأنها، لأن جوهر الصيام ودرسه الأول هو أن لا عبودية إلا لله عز وجل وأن لا بديل لهذه الأمة عن العزة والكرامة التي تستحقها بحكم وضعها الإسلامي.
وإذا كان اقتران رمضان بالجهاد هو أحد بركات هذا الشهر وعطاياه فإن الاقتران بالقرآن هو البعد الأهم في رمضان، وإذا كان لكل مدرسة منهاج فإن منهاج المدرسة الرمضانية هو القرآن الذي يكمل مع الصيام عملية البناء الإيماني وهما الركنان اللذان ينهض بهما هذا البناء، وللقرآن في رمضان فعل وتأثير مضاعف فهو ينزل كالغيث المبارك على النفس المؤمنة التي جعلها الصيام أرضاً خصبة تنتظر هذا الغيث وتتوق له فإذا نزل إليها أزهرت وأثمرت وأنبتت إيماناً وتقوىً وصلاحاً، قال تعالى:"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان ".
إننا كأفراد... وكأمة بأشد الحاجة إلى رمضان لكي نلجم النفس التي قد تستسلم للضعف وتركن بالشهوات وتتخلى عن مهمة الارتقاء والصعود.
نحن بحاجة إلى رمضان لنرسخ في نفوسنا بأن هذا الإسلام الذي ننتسب إليه هو التزامات وفرائض من دونها تسقط عنا هويته وننسلخ والعياذ بالله عن أهله وملته.
رمضان هو تأكيد الولاء والانتماء للإسلام ديناً وعقيدة ومنهاج حياة نجدد فيه صلاحية الهوية الإيمانية ونكسبها مصداقية ومضموناً، قال صلى الله عليه وسلم :" فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب فإن سابه أحدً أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم ".
رمضان إذاً هو مدرسة الأمة الكبيرة التي يتربي فيها أبناؤها والسعيد هو من يتخرج بنجاح وكفاءة والشقي هو الذي لا يستفيد من هذه الفرصة السانحة التي تتعطل خطاه فيمر عليه الشهر وهو على سابق حاله لم يمد يده ليد الرحمن الممدودة إليه ولم يدخل باب المغفرة المشروع أمامه.
فلنفقه إذن حكمة رمضان ومغفرته ولنستوعب درسه ونتربى في صفوف مدرسته التي خرجت أفذاذ الرجال... وكرام الأمة... والشوامخ في تاريخنا من القادة والعلماء والحكام والدعاة فلننضم إلى هذا الركب السعيد ولنلتحق بالمدرسة الرمضانية طلاباً نجباء...
جهاز التعبئة والارشاد