تاريخ النشر : 2009-12-20
ضباب في الأفق
إن الناظر عن كثب و بتمعن إلى أجواء التصريحات الأمريكية والإسرائيلية حول الأحداث المتلاحقة والأزمات المتلاصقة في المنطقة، يلاحظ تارة أننا على أبواب ضربة عسكرية موجه نحو حزب الله تشنها "إسرائيل" بدعم وإسناد أمريكي، وفي مشهد آخر نرى ضربة وشيكة وقاسية ضد إيران لحسم ما اتفق على تسميته "بملفها النووي"، ومن مشهد ثالث يتصف بمحدودية احتمالية وافتراضية (على الأقل من وجهة نظر الكاتب) نرى حملة عسكرية جديدة ضد غزة، ترجمتها التطمينات الإيرانية السرية لقادة حماس بأن (إيران لن تسمح بسقوط نظام حماس في غزة حتى لو اضطرت لإقحام المنطقة بحرب إقليمية شاملة).
لكن، أنا اتفق مع الرأي القائل بأن المنطقة مقدمة على حرب وشيكة مع نهاية شهري الشتاء الحالي، لكن الهدف لن يكون حزب الله أو إيران ولا حتى حماس بغزة، بل الهدف سيكون دمشق، فلا استغراب في الأمر، فان توجيه ضربة عسكرية شاملة لسوريا يكون الغاية منها إسقاط النظام البعثي الحاكم في دمشق سيشكل صفعة إستراتيجية لطهران وحلفائها؛ كون سوريا تتمتع بموقع جيو-استراتيجي في الصراع القائم وفي المنطقة بوجه عام؛ وكونها الرافد الأساسي والرئيس لسلاح حزب الله والعاصمة السياسية لمركز إدارة حماس في المنطقة ومأوى آمن لقادتها، كما إنها الحلقة الأقوى والحليف الأول لإيران، فستكون الضربة العسكرية لسوريا، ضربة سداسية الأهداف من كافة النواحي الإستراتيجية والعسكرية والسياسية والأمنية.
فسيشكل ذلك زعزعة لوضع حماس المهيمن في غزة من انقطاع وتمزيق لنسيجها القيادي خلال وبعد الحرب، والأهم من ذلك قطع طريق الإمداد الجغرافي لوصول سلاح إيران لحزب الله، وهنا يصبح الحزب بعيدا جغرافيا عن إيران بعد فقدانه خط التواصل معها؛ لأن هذا السلاح لن يصل عبر الحكومة اللبنانية وخاصة حكومة الحريري الراهنة، ولا ننسى الاتهامات الأمريكية العراقية القديمة المتجددة لدور النظام السوري في زعزعة الاستقرار الأمني في الساحة العراقية عبر ما يسمى بالإرهاب الوافد، وهنا يتحقق خامس الأهداف في تأمين الحدود العراقية السورية، و سيبدأ الحراك الأمريكي الإسرائيلي من هنا ورجوعاً إلى الضربة العسكرية الجوية الإسرائيلية لإحدى المنشئات العسكرية السورية السرية، كونها منطلق وارض خصبة لخطر سوري نووي وخلافه على غرار خطر صدام حسين الذي كان الذريعة وراء سقوط بغداد.
أما الصورة التي علينا البحث عنها الآن هي الموقف الإيراني وموقف حزب الله وحماس في هذه الحرب حال حدوثها، وهل عليها الوقوف في هذه الحرب بشكل مباشر أم غير مباشر، مع انه على جميع المخاطبين أن يدركوا بأن "إسرائيل" لا تقوى على الهجوم في اتجاه و الدفاع عن باقي خواصرها الأمنية في آن واحد، وخاصة خاصرة جنوب لبنان وغزة. أما الخاصرة الإيرانية البعيدة جغرافيا ستكون سيفا ذا حدين ليس من السهل على إيران استخدامه، لأن تدخل إيران سيكون الدليل الأقوى على حقيقة الخطر الإيراني الذي يتغنى به الإسرائيليون والأمريكان ومن خلفهم حلفاؤهم في أوروبا.
وعلينا إدراك أمرين غاية في الأهمية، أن "إسرائيل" وأمريكا لن يتبعا نفس الأسلوب الذي اتبعه الأمريكان في العراق وأفغانستان بعد أن أعلنت هزيمتها غير الرسمية هناك أمام إرادة الشعوب فيهما. كما أنها في وضع لا يسمح لها بنشر قوات عسكرية في سوريا في حال سقطت لا قدر الله، أما الأمر الثاني، أن الولايات المتحدة تدرك تماماً الامتداد الفسيح للحدود الإيرانية الأفغانية والتي إن شاءت إيران فتحها على غرار الحدود الباكستانية، سيعيد الزمان نفسه في تجربة السوفييت مع الأفغان في ظل دعم الأمريكان، لكن هذه المرة في ظل دعم إيران وربما روسيا الاتحادية، وهنا سنقول على أمريكا السلام في أفغانستان.