يستعد نشطاء وجهات مناهضة للاستيطان وللاحتلال بالخليل جنوب الضفة الغربية من أجل تنظيم فعاليات شعبية للتصدي لزيارة مرتقبة لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والاحتجاج عليها، على غرار الفعاليات التي جرى تنظيمها على مدخل شارع الشهداء قبل بضعة أسابيع احتجاجا على زيارة رئيس الكيان للشارع.
وتسود حالة من ترقب شديدة أوساط المواطنين في محافظة الخليل، بعد إعلان نتنياهو عزمه اقتحام المسجد الإبراهيمي في المدينة، وزيارة البلدة القديمة التي ينهشها الاستيطان والمخططات الاحتلالية.
وفي الوقت الذي تسود فيه القناعة بأنّ الزيارة لها علاقة بالدعاية الانتخابية الإسرائيلية، إلّا أنّ التقديرات تشير إلى أهمية الخليل لدى حكومة الاحتلال والإسرائيليين.
ويتوقع أن تشهد الخليل اشتعالا مع الاحتلال تزامنا مع إحياء المدينة للذكرى الـ(21) لمجزرة الحرم الإبراهيمي، وانطلاق فعاليات شعبية في محيط الحرم إحياء للذكرى، وللمطالبة بفتح شارع الشهداء وعدد من الشوارع المغلقة في قلب الخليل كإفرازات للمجزرة.
ويطالب الناشط محمد ازغير من الخليل كافّة الشخصيات والمؤسسات الرسمية والأهلية والفصائلية بالعمل سويا من أجل الحيلولة دون إتمام هذه الزيارة، باعتبارها استفزازا لمشاعر المسلمين.
ويرى في حديثه لوكالة "صفا" أنّ التفاعل الجيّد في هذه الفعالية قد يفتح المجال أمام تصاعد المواجهة مع الاحتلال، خاصّة وأنّ الاحتلال لا بدّ وأن تصله رسالة الغضب والاحتجاج الفلسطينية على هذه الزيارة، متمنّيا بأن تكون المشاركة في هذه الفعاليات الشعبية واسعة من كافّة فئات المواطنين، حتّى يشعر الاحتلال بأنّ الزيارة غير مقبولة وتهدد أمن المنطقة.
ويعتقد ازغير أنّ اليمين الإسرائيلي بات يركز في دعايته الانتخابية على المستوطنات في الضّفة الغربية باعتبارها مناطق مهمّشة ولا تتلقى الخدمات المقدّمة للإسرائيليين داخل الأراضي المحتلة عام (48)، ويركّز على وجه التحديد على المستوطنات بالخليل الواقعة في وسط تجمّعات كبيرة من السّكان الفلسطينيين.
ويلفت في الوقت ذاته إلى أنّ المستوطنات قد تشهد أكبر نسبة دعاية انتخابية للأحزاب الإسرائيلية باعتبارها أكثر المناطق استهدافا بالدعاية الانتخابية والمزاحمة على الأصوات.
تزامن مع الحملة
ويرى منسّق تجمّع شباب ضدّ الاستيطان عيسى عمرو في حديثه لـ"وكالة صفا" أنّ هذه الزيارة تتزامن مع الحملة الدّولية التي انطلقت لفتح شارع الشهداء ورفع الحصار عن قلب مدينة الخليل، التي أطلقها التجمع وبقية القوى الوطنية والإسلامية والأخرى الفاعلة في الميدان، إحياء للذكرى الحادية والعشرين لإحياء المجزرة.
ويقول "بات واضحا الاهتمام الاستيطاني بالخليل من خلال حضورها المميز على صعيد البرامج السياسية للأحزاب الإسرائيلية في الانتخابات، وهو الأمر الذي يؤكّد أنّ الخليل مستهدفة وستشهد مزيدا من الاستهداف على صعيد الاستيطان في قلب المدينة وبالتحديد في قلب البلدة القديمة ومحيط الحرم الإبراهيمي".
ويلفت إلى أنّ المستوطنين يطالبون ومنذ أعوام عديدة بالاستيلاء على أكبر قدر ممكن من مدينة الخليل وربط مستوطنة "كريات أربع" وعدد من البؤر الاستيطانية القائمة في قلب الخليل في بوتقة واحدة وجسم جغرافي واحد، وتتصل أيضا بالحرم الإبراهيمي، وبالتالي تكون مساحة واسعة من الخليل أصبحت داخل مدينة استيطانية كبيرة للمستوطنين ومتصلة جغرافيا، وهو الأمر الذي أقرّت له الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الخطط المعلنة من خلال شق طريق من "كريات أربع" باتجاه الحرم الإبراهيمي وغيرها من العمليات الاستيطانية المتواصلة لتحقيق هذا الحلم.
ويعتقد أنّ الأحزاب الإسرائيلية وبالتحديد أحزاب اليمين تحاول استرضاء المستوطنين لتحقيق هذا الهدف لاستعطافهم والحصول على المزيد من أصوات المستوطنين في الانتخابات القادمة.
خطوة خطيرة
أمّا خبير شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش فيصف الزّيارة بالخطوة الخطيرة، على أصعدة مختلفة، مشيرا إلى أنّها تأتي استكمالا لمخطط استيطاني في محيط المسجد الإبراهيمي، الذي قرر الاحتلال ضمّه إلى ما يسمّى بـ"التراث اليهودي" قبل بضعة أعوام، وهو الأمر الذي يشير إلى أنّ الاحتلال يخطط وعلى الدوام لعزل المسجد الإبراهيمي عن محيطه الإسلامي والفلسطيني وتحويله كاملا للمستوطنين.
ويدعم حنتش قوله بإنشاء المستوطنين لـ"كرفان" بجوار المسجد الإبراهيمي قبل بضعة أيّام، ويستهدف التعريف بالمنطقة سواء بالحرم وببقية الأحياء الفلسطينية بالبلدة القديمة على أنّها تراث يهودي، وهذا من وجهة نظره يشير إلى تصاعد المخططات المستهدفة للحرم على وجه الخصوص.
وعلى صعيد انعكاسات الزيارة على الحراك الاستيطاني في المكان، يرى حنتش أنّ هذه الزيارة قد تضاعف من العمليات الاستيطانية في قلب مدينة الخليل، وقد تدفع بعجلة الحراك الاستيطاني والمخططات الكثيرة في المكان، وقد تضاعف من اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين في المكان، ناهيك عن الخشية القائمة من اقدام الاحتلال على عزل المسجد الإبراهيمي ومضاعفة عمليات الانتهاك والتدنيس في المكان، والتي قد تمتد إلى إضفاء مرحلة استيطانية جديدة في المكان.
لكنّ حنتش لا يعتقد أنّ تداعيات مثل هذه الزيارة ستتوقف عند هبّة شعبية فلسطينية في الخليل وبعض مدن الضّفة الغربية، بل يعتقد بأنّ هذه الزيارة قد تترك ردود فعل وانتقادات دولية، باعتبار المسجد الإبراهيمي معلم إسلامي، ويشكل تدنيسه من جانب رئيس وزراء دولة الاحتلال استفزازا لمشاعر المسلمين وخاصّة الفلسطينيين الذين يقطنون إلى جواره، الذين قد يتعرّضوا لقمع الاحتلال وعنفه إذا ما قرروا حماية المسجد من تدنيس "نتنياهو".
وعوضا على ذلك، يرى حنتش أنّ "نتنياهو" يريد أن يرضي اليمين الإسرائيلي المتطرف في زيارته للحرم الإبراهيمي وتدنيسه، وقد يعلن في الزيارة عن المزيد من المشاريع الاستيطانية في المكان، لإرضاء المستوطنين في الخليل الذين يفوق عددهم تعداد المستوطنين المنتشرين بالضّفة الغربية.