بعد مرور عقد على تشييد جدار الفصل العنصري، تحولت الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة إلى منطقة عشوائية، وعُزل ثلث السكان الفلسطينيين، ويقدر عددهم بـ120 ألفا، عن مركز حياتهم في القدس، وباتوا يعانون من حياةٍ قوامها الإهمال.
وشكلت سياسة الحكومة الإسرائيلية في العقد الأخير انتهاكاً منهجي ومتواصل لالتزاماتها تجاه السكان الذين يرزحون تحت الاحتلال، وألحقت انتهاكًا جسيمًا بسلسلة طويلة من الحقوق الأساسيّة الخاصة بآلاف السكّان، منها الحقّ بالكرامة والصّحة والتربية وحريّة الحركة وغيرها.
وأدّى الجدار إلى فصل عشرات آلاف السكّان عن مركز حياتهم المدنيّ الذي ينتمون إليه. وخلقت الحواجز في القدس قيودًا ثابتة على حريّة الحركة لدى السكّان، باسم الحفاظ على ما يسمى "أمن دولة اسرائيل"، وأصبحت أيّ مغادرة للأحياء تلزم السكان بفحص أمنيّ وساعات انتظار طويلة. وعلى الرغم من تعهدات اسرائيل بإقامة "آلية وصول معقولة للقدس" وبـ"انتقال للجهتيّن في وقت معقول"، وذلك عبر تشييد مسارات عبور للمشاة والسيارات والمواصلات العامة في منطقة حاجز قلنديا وحاجز شعفاط، إلا انه في الواقع العديد من المسارات لم تشيّد حتى اللحظة والعديد من المسارات مغلقة تماماً.
وبهذه المناسبة، وفي ظل ظروف قهرية كهذه، أرسلت جمعية "حقوق المواطن" رسالة مفصلة حمّلت الحكومة الاسرائيلية مسؤولية الوضع التي آلت اليه الأحياء المقدسية، وطالبتها بتنفيذ الوعودات التي قطعت، وذلك عبر خطة طارئة يقوم بالإشراف على عملها طاقم وزاري، وتقوم بتنفيذها خلال فترة زمنية معقولة.
وفصّلت الرسالة، تعهدات الحكومة في القرار 3783 مقابل صورة الوضع القائمة في الأحياء المقدسية، وذلك في كافة مناحي الحياة.
وذكرت الرسالة بان ممثلي الدولة وعدوا في إطار المداولات التي جرت في المحكمة العليا بأنّ أطول فترة انتظار على حاجز قلنديا ستكون 15 دقيقة للسيارة و25 دقيقة للمشاة. أمّا في الواقع فإنّ أوقات الانتظار طويلة أكثر ويمكن أن تستمرّ لساعة وأكثر في أوقات الذروة.
وإضافة الى الازدحامان، يحول وجود "نقطة اختناق" صوب الحواجز ومنها دون إمكانيّة الوصول بسرعة لتلقي خدمات الطوارئ، مثل سيّارات الإسعاف وسيّارات المطافئ، ما يُعرّض السكّان لخطر على الحياة.
وقد توجهت الجمعية في العاميْن الأخيريْن إلى الجيش الإسرائيلي مراتٍ عدّةً، وحذّرت من المخاطر وطالبت بإيجاد خطّة منظّمة للإخلاء والعناية في حالات وقوع حادثة مع إصابات كثيرة، مثل الحرائق أو الهزّات الأرضيّة، لكنّ التوجهات لم تلقَ الردّ بعد.
سوء التعليم
وتطرقت الرسالة بإسهاب الى تعهدات الحكومة الاسرائيلية فيما يتعلق بالتعليم، إذ فصّلت المادة ج من قرار الحكومة ثلاث خطوات مدمجة من أجل ضمان الحقّ بالتعليم ما وراء الجدار: بناء مؤسّسات تربويّة جديدة، واستئجار غرف دراسيّة إضافيّة، وتشغيل منظومة سفريّات للطلّاب. إلّا أنّ غالبيّة هذه الالتزامات لم تُنفّذ في العقد المنصرم. ويعاني الطلاب نقصًا في المدارس وغرفًا دراسيّة مكتظّة وغير سويّة، وسفريات تستغرقهم الوقت الطويل.
توجد في الأحياء الواقعة خلف الجدار شماليّ القدس أربع مدارس ابتدائيّة رسميّة فقط (منها اثنتان تشملان عدد قليل من الغرف الدراسيّة للمرحلة الإعداديّة)، والتي تشمل مجتمعة 88 غرفة دراسيّة. إضافة إليها ثمة 5 غرف روضات رسميّة. ولا توجد في هذه الأحياء ولو مدرسة ثانويّة رسمية واحدة. ولذلك، يدرس في الجهاز التربويّ الرسميّ الواقع خلف الجدار ما مجموعه 2,453 طالبًا فقط. فيما تقوم المدارس غير البلديّة الرسمية بسدّ النواقص الموجودة، وهي مدارس تُقام بمبادرة السكّان والجمعيّات الخاصّة، وتُجبى فيها أقساط دراسيّة يمكن أن تبلغ آلاف الشواقل سنويًا. وتوجد في هذه الأحياء 462 غرفة دراسيّة في المدارس التي تتمتع بمكانة معترف بها غير رسميّة، إلى جانب 125 غرفة دراسيّة في مدارس خاصّة. ينتج أنّ 13% فقط من الغرف الدراسيّة في هذه الأحياء تتبع للتعليم الرسميّ.
تكمن مشكلة أخرى في أنّ غالبيّة الغرف التدريسيّة الرسميّة الواقعة خلف الجدار هي غرف لا توافي المعايير وغير سليمة، تقع في مبانٍ مستأجرة خصّصت بالسابق للسكن (كفر عقب) أو لاستخدام الحيوانات (مدرسة شعفاط للبنين ج). لذلك، وباستثناء الغرف التدريسيّة الناقصة، ثمة حاجة مُلحّة جدًّا لبناء غرف تدريسيّة سويّة وسليمة تستبدل هذه الغرف.