الداعية واحد من البشر، يصيبه ما يصيب الناس من نقص في الصفات أو ضعف في القدرات، والعاملون في حقل الدعوة متفاوتون في الإمكانيات، ومختلفون في المواهب والإبداعات.
والدعاة عموماً تقاس مكانتهم بما لديهم من سلبيات وايجابيات شخصية، وقد تشفع جوانب الخير في الداعية لما يقابلها من نقص لا يخلو منه أحد.
لكن ميزان تقييم القائد غيره للفرد، وكلما ارتقى هذا القائد في سلّم المسؤولية الدعوية، كلما شددنا عليه في المواصفات، وبمقدار ما ينتصب الداعية قدوة لإخوانه يصير “الحزم” في حقّه أولى، ويصبح الأخذ بالعزائم أمراً محموداً بل مطلوباً.
وعندما يكون الداعية مشاركاً في اتخاذ القرارات الهامة فهو مدعو: لاكتساب الصفات العالية، ومطالب بالابتعاد عن كل ما يجرح شخصيته، ويترك ما من شأنه أن يشوه مكانته أو يسيء إلى موقعه التنظيمي.
وتصبح هذه النظرة التقويمية أكثر إلحاحاً وأشد حاجة حين يتعلق الأمر بتولّي مسؤولية ما في إطار حركة مقاومة للاحتلال، لأن القضية حينئذ مرتبطة بمصير شعب وما يتبع ذلك من أرواح ودماء.
ولا يقصد بهذا الكلام أن يكون مثل هذا القائد كاملاً خالياً من كل العيوب! إذ أن ذلك غير واقعي.. وبعض العيوب والنقائص لا تخّل بشخصية القائد، ولا تؤثر في حسن أدائه وقوة عطائه، وهي لا تشكل عائقاً في قدرته على اتخاذ القرار السليم والموقف الحكيم.
غير أن هناك عيوباً لا تقبل من قائد في حركة مقاومة، بل هي صفات جارحة، الواحدة منها تؤذي فإن كان لها أخوات كانت قاتلة مميتة!
“لا نرضى للداعية في صفنا ولا للقائد في حركتنا أن يكون جباناً أو كاذباً ولا بخيلاً أو ساذجاً”
وهي رباعية نسوقها لك:
الجبن: قد يكون المؤمن العادي جباناً، لكن روّاد التغيير لا يصلح الجبن لهم صفة، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من الجبن..”.
كما أن قرارات حركات المقاومة ونشاطاتها مبنية على أساس الجرأة والشجاعة، وإذا كان القائد فيها جباناً فإنه قد يتخذ بعض القرارات أحياناً من منطلق الخوف على نفسه أو الحرص على ممتلكاته وأمواله، وليس على أساس المصلحة العامة وتقدير الايجابيات والسلبيات لكل خطوة على الطريق، وفي هذه الحالة فإن العدو لن يتوانى في إرسال تهديداته لمثل هذا الصنف من الناس للتأثير على مواقفهم ولدفعهم إلى اتخاذ قرارات ليست في صالح حركات المقاومة التي ينتمون إليها.
والتجارب تؤكد أن انحراف بعض قوى المقاومة عن مسارها وتخليها عن منهج الممانعة يرجع في حالات عديدة إلى وصول شخصيات لمراكز اتخاذ القرار ممن يحرص على مصالحه الذاتية ويخاف من دفع ثمن مواجهة المحتل بسبب جبن وخور يملأ قلوب أولئك النفر من الناس.
وحركتنا مطالبة بوعي هذه المسألة وإدراك أبعادها، فلا يرتقي إلى قيادتها مجروح بجبن دائم أو خوف ملازم، وإن وجد القائد في نفسه جبناً عزل نفسه وطلب إعفاءه.
الكذب: هذه صفة لا تنسجم مع الإيمان ابتداءً، وهي تجرح شخصية المسلم وتخدش صلاحه وتتنافى مع النقاء والصفاء والثقة والطمأنينة، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم هل يكون المؤمن كذاباً. قال: “لا”.
الكذب منقصة في حق كل أحد لكنه عند القائد الدعوي أعظم من ذلك، ولو أن قائداً ما في صفنا حاز على العديد من جوانب الخير والايجابية في شخصيته لكان الكذب وحده سبباً كافياً لإبعاده عنا، وإقصائه من بيننا، إذ أن لغة التخاطب والتفاهم مستحيلة مع الكاذب.
إن القائد إذا ثبت كذبه يسقط من عيون إخوانه وينفضّ عنه الأعوان والأنصار، وجدير بالذكر أننا نقبل خطأ القائد وتقصيره ولا نرضى الكذب منه، والكذب على العامة والخاصة مرفوض إلا في حدوده الشرعية المعروفة.
البخل: حيث أنه يدل على طبع لئيم، لا يتناسب ومعاني الشهامة الضرورية لكل قائد ومسؤول، والبخيل مبغوض من الناس ينفر منه الجميع، ونحن نحب للداعية القائد أن يحبه الآخرون، وأن يلتف من حوله الأنصار والمؤيدون، ويظل الكرم علامة في اكتمال الشخصية القيادية، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة الذي كان أجود الناس حتى وصفوا كرمه بأنه كان كالريح المرسلة، كما كان يستعيذ بالله من البخل.
وقد حفظ لنا التاريخ قصص كرم حاتم الطائي الذي ساد قومه حتى صار مثلاً تتناقل الأجيال مواقفه، والقائد في حركة مقاومة أولى بالابتعاد عن البخل في الوقت الذي يدعو فيه الناس للجهاد بأنفسهم وأموالهم.
السذاجة: حركتنا تعيش في مرحلة غاية في التعقيد، وتعالج قضية تتعارض فيها المصالح، وتعمل في مساحة يكثر فيها اللاعبون، ويكيد الأعداء لها ويمكر الخصوم، ويتفنن المخالفون في نصب الكمائن للحركة، ويخادعون ويناورون ويتلاعبون، ويحيك الأعداء لنا المؤامرات مستخدمين الكذب والتزييف، يزيّنون القبيح ويقبحون الجميل، ويغيّرون في الألفاظ والكلمات ويبدلون النصوص والعبارات.
وأمام هذا التحدي المتواصل يحتاج القائد في حركتنا إلى قدر كبير من الذكاء، وإلى مستوى عال من الفطنة، ولا يعقل أن تؤتى الحركة بسبب سذاجة لدى بعض رجالها أو أن تضرب في مقتل نتيجة بساطة في التفكير أو خفّة في التقدير، وهي مقولة عمر بن الخطاب:
“لست بالخب ولا الخب يخدعني”، أي لا يقدر عليه الماكرون المخادعون، وهكذا نريد للقائد في حركتنا أن يكون كيّساً فطناً سريع البديهة، عنده دهاء عمرو بن العاص، وذكاء القاضي “إياس بن معاوية”، فإن لم يكن كذلك فليقتدي بهم، وليعمل على تنمية قدراته الذهنية باستمرار، فلا نرضى للداعية في صفنا ولا للقائد في حركتنا أن يكون جباناً أو كاذباً ولا بخيلاً أو ساذجاً.
المصدر موقع بصائر