تمر هذه الأيام، أجواء الذكرى السادسة والأربعين لحريق المسجد الأقصى، على يد المخرب المسيحي المتصهين، دينيس مايكل روهان، وهو أسترالي الجنسية.
ولئن يحفظ لنا التاريخ هذه الذكرى السوداء؛ فإننا نقف أمامها بالعبرة والعِظة فيما يتعلق بموقف الأمة من الحريقَيْن؛ الأول الذي تمر علينا اليوم ذكراه، والثاني الذي يقترب لهيبه من أولى القبلتَين على أيدي شذاذ الآفاق من اليهود والمجرمين الذين يعاونوهم في ذلك.
يقول بنو إسرائيل – بزعمهم – إنهم لا علاقة لدولتهم اللقيطة بالحريق، وأن روهان كان مسيحيًّا متطرفًا، وأنهم ألقوا القبض عليه، ولكن حجتهم داحضة؛ فقد رحلوه، وادعوا أنه مجنون، بينما هو الآن لا يزال على قيد الحياة، يعيش في بلاده، من دون أن يبدو عليه أي أثر للجنون!
ولعلها مفارقة، أن يقوم مسيحيٌّ بروتوستانتي بهذه الجريمة العنصرية، في فلسطين، ضد أصحاب الأرض الأصليين، ومقدساتهم، وبناء على انتماء ديني، لصالح شذاذ الآفاق من المستوطنين اليهود الذين وفدوا إلى أرض غيرهم ليسرقوها، بينما فعل آباؤه وأجداده ذات الشيء مع الأبورجينز، سُكان أستراليا الأصليين، وقالوا في حينها، كذلك، إنهم فعلوا ذلك باسم الرب!.
“إسرائيل” هي دولة الكيان الصهيوني التي أسسها اليهود، والذين مهما أبدوا من صنائع اللطف والمسكنة؛ فهم عدو الله، وعدو المسلمين الأول”
في ذلك اليوم المشؤوم قامت سلطات الاحتلال بقطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى، كما تعمَّدت سيارات الإطفاء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس، التأخير؛ حتى لا تشارك في إطفاء الحريق، لدرجة أن سيارات الإطفاء العربية التي قدمت من الخليل ورام الله، سبقتها، وساهمت في إطفاء الحريق!
نقول ذلك إلى كل من يعشقون الأوهام، ويحاولون أن يضللوا الآخرين كما ضللوا أنفسهم؛ فـ”إسرائيل” هي دولة الكيان الصهيوني التي أسسها اليهود، والذين مهما أبدوا من صنائع اللطف والمسكنة؛ فهم عدو الله، وعدو المسلمين الأول، وأنزل الله تعالى فيهم قرآنًا خالدًا، يُتلى إلى يوم يبعثون، يكشف حقيقتهم.
ولا نقف كثيرًا اليوم أمام الحدث التاريخي؛ فما يتعرض له الأقصى في الوقت الراهن، أسوأ بمراحل، ويهدد بالفعل بهدمه، وهدم الحرم الشريف، والقدس القديمة كلها، وإقامة الهيكل اليهودي المزعوم على أنقاض كل ذلك.
اللافت في التشابه بين الحدث التاريخي والحدث الراهن، هو في موقف العرب والمسلمين السلبي، وخصوصًا على مستوى الحكومات والأنظمة التي تهادن الصهاينة وتحارب شعوبها وتقتلها.
لا أحد يكلمنا عن مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في وقت الحريق، ولا تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي –التعاون الإسلامي حاليًا- ولا لجان كل القدس التي تأسست منذ ذلك الحين، فما الخطب؟!.. لا يزال الأقصى والحرم تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني، ويعيثون ومستوطنيهم فيه الفساد، بينما كل ما يتفضل به أصحاب الجاه والصولجان، هو بضعة دولارات لا تسمن ولا تغني من جوع؛ بينما أولي الأمر في السلطة الفلسطينية حتى لم يقفوا موقف المتفرج الذي تقفه الحكومات العربية؛ وإنما تجاوزوا ذلك إلى اللعب لحساب الكيان الصهيوني!
فالسلطة الفلسطينية، تعهدت صراحة على لسان رئيسها المنتهية ولايته، محمود عباس، بعدم السماح باندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية المحتلة، ومن خلال التنسيق الأمني؛ يتم الزج بالمجاهدين والمجاهدات، والمرابطين والمرابطات، في سجون السلطة!!
آخر هذه التعهدات كان قبل أيام من عباس، إلى زعيم المعارضة الصهيونية، وزعيم “المعسكر الصهيوني”، يستحاق هيرتزوج، وكان حديث هيرتزوج عن الوضع المتوتر في الضفة بسبب جرائم المستوطنين، وتصاعد عمليات اقتحام الأقصى؛ فتعهد له عباس بعدم السماح لـ”العنف والتطرف” بإشعال الوضع الأمني في الضفة!..
ولعلها كانت مخطئة جولدا مائير عندما قالت إن أتعس لحظات حياتها، كانت عند حريق المسجد الأقصى؛ لأنها خشيت من أن تؤدي هذه الجريمة إلى زوال دولة الاحتلال أمام جحافل المسلمين التي توقعت أن تزحف إلى المكان، من كل أقاصي الأرض، أو لعلها كانت تخفي حقيقة تورط الدولة الصهيونية في هذه الجريمة.
فلم تزحف الملايين، ولا زحفت إلى الآن، بينما لافتات “جبل الهيكل” صارت رسميًّا عنوان جبل المكبِّر، والحرم القدسي الشريف، في النشرات السياحية، وبينما “كنيس جوهرة إسرائيل”، قد بدأوا بالفعل في بنائه في قلب القدس الشرقية(!!) بأموال وتبرعات رجال الأعمال اليهود والمسيحيين الأمريكيين، بينما البعض لا يزال يصدق أنه من الممكن التوصل إلى تسوية مع الكيان الصهيوني على أساس حل الدولتَيْن، وتكون القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية!!..
“البعض لا يزال يصدق أنه من الممكن التوصل إلى تسوية مع الكيان الصهيوني على أساس حل الدولتَيْن، وتكون القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية!!”
البعض يصدق ورون لاودر، رئيس الكونجرس الأمريكي، هو أهم ممول لسياسات التهويد في القدس، وهو أحد أهم خمسة رجال أعمال يهود يحركون الاقتصاد العالمي، ذلك بينما أموال العرب تذهب إلى تمويل صفقات “الخُردة” التي تعطيها لها شركات السلاح الأمريكية، التي – قدرًا – هي أكبر داعم للكيان الصهيوني!..
إن كل هذه الاعتداءات، وهذه الهجمة الشرسة من المنظمات التهويدية، وعلى رأسها أمناء جبل الهيكل، و”إلعاد” التي تبني على أرض القدس، بما في ذلك مقبرة مأمن الله الإسلامية، التي بنت دولة الاحتلال على أرضها ماخورًا(!!)، بينما لم تتحرك الأوقاف الإسلامية الرسمية، لا في السلطة ولا في الحكومة الأردنية، ولا منظمة التعاون الإسلامي التي فرح بها الجميع عند تأسيسها؛ كل هذا يحدث بدعم من حكومة اليمين العنصرية الحالية التي فازت بآخر ثلاثة انتخابات(!!)، ويجد هؤلاء العنصريون، فيها، وفي الكنيست، التربة الخصبة لتنفيذ هذه الخطط، فيما البعض لا يزال يتكلم عن “إسرائيليين”، بينما هم لا يختلفون عن بعضهم البعض في شيء!
كل هذا يطرح واجب الوقت إلى دعوة المقاومة لمزيد من الدعم للمرابطة في الأقصى الشريف، والعمل على تهيئة الحركيين للأجيال الحالية، لفكرة الزحف، مع العمل على ممارسة كافة أشكال الضغوط على السلطة الفلسطينية من أجل إفساح المجال للمرابطين والمرابطات، بأداء واجبهم تجاه المسجد الأقصى!..
المصدر : موقع بصائر