كأحجار "الدومينو" بدت "انتفاضة القدس" التي انطلقت من أزقة المدينة المحتلة، تتناغم في كامل الضفة المحتلة وأرض 48 وحتى حدود غزة المحاصرة.
لن ينفع الاحتلال الآن "تميمة الحظ" ولا جهود السياسيين لكبح جماح انتفاضة شعبية انطلقت أمام عدوان يومي مارسه برتابة مجنونة في شوارع القدس وعلى حواجز الضفة الغربية.
مع مفاجآتها المتلاحقة بدا أن "انتفاضة القدس" بلغت من أيامها الأولى "سنّ الرشد" في زمن مواقع "التواصل الاجتماعي" وتقنية الإعلام الجديد، فشرعت في تعديل المسار الشعبي دون أن تنال قراراً من القيادة السياسية.
الاحتلال هو نفسه من منح "انتفاضة القدس" كل المبررات للانطلاق حين واصل عدوانه بجنون في أزقة القدس وعلى أبواب المسجد الأقصى ومصليه قبل أن تطال شراراتها كامل الضفة وأراضي 48 وحدود غزة المحاصرة.
هذا المذاق من الحراك الشعبي يذكرنا بانتفاضات أصيلة بدأت من عشرينيات القرن الماضي، مروراً بأطول إضراب في التاريخ سنة 36، ووصولا لانتفاضة الحجارة 87 والأقصى 2000 واليوم 2015.
يقول المحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض وسائل اعلام محلية: "الانتفاضة وهي تدخل شهرها الثاني تحافظ على حراكها الشعبي، وتتعمق وتتسع وفق آليات مختلفة، يشارك فيها الشعب الفلسطيني وفصائله ومجتمعه المدني".
ويضيف: "أهم ما ميزها حتى الآن ويمضي بإيجابية هو حالة الاحتضان والقبول الشعبي لأنها تعبر عن كامل طموح الشعب الفلسطيني.. الحراك ليس له عنوان واضح لكنه سيقوى، وتصبح له أطر سياسية وقيادة ميدانية".
وأشار إلى أن عدوان الاحتلال وردود فعله المتواصلة مضت بالشبان الغاضبين نحو تطوير أدوات المقاومة الشعبية؛ فلم يعد الحجر والسكين الوسيلة الوحيدة، بل استخدموا عمليات الدهس، وستكون لهم أدوات أخرى لن يتوقعها الاحتلال.
ولفت إلى أن تطور الأدوات لم يكن فقط باستخدام الأداة المادية؛ بل دخلت على الخط العشائر، مشيرا إلى ردود فعل العشائر في الخليل الذين وقفوا أمام عدوان الاحتلال بموقف قوي.
وتابع: "سنكون مستقبلاً مع أدوات جديدة من قبيل أساليب فردية وعصيان مدني وإغلاق شوارع وتعطيل العمل، الشعب هذه المرة أكثر تصميماً، وأقل خوفاً، وإبداعاته غير معروفة للاحتلال".
ويقول المحلل عوض إن عسكرة الانتفاضة لن يتم إلا إذا مارس الاحتلال عدواناً جنونياً، عندها ستتجه الانتفاضة نحو استخدام أدوات عسكرية لكبح جماح الاحتلال.
ويرى أن المسألة لن تتركز مستقبلاً في مدن بعينها أو في نقاط التماس بل ستمتد لكل المناطق، مشيراً إلى أن ما يجري على حاجز "الجلمة" بجنين مؤخراً يتناغم مع الخليل والقدس جنوباً.
ويضيف: "بدأنا من القدس والخليل قرى بيت فوريك ثم غزة وعرب 48، وعدنا مرة أخرى إلى الخليل وقلقيلية، الجمهور ليس له قاعدة فيزيائية ولا يتحرك بقانون رياضي، ولا يمكن توقع ردود فعله أين يكون".
ويؤكد عوض أن السلطة الفلسطينية بعكس السابق لم تُدِن الانتفاضة، وأن الموقف السياسي سار نحو وحدة الفصائل الفلسطينية ميدانياً.
ويضيف: "سقطت رؤية إسرائيل، المحيط العربي لم يبادر لإدانة الانتفاضة، واليوم بعد 34 يومًا من انطلاقتها الروح النضالية لها تتجدد".
ويرى أن الفصائل لا تريد حالياً إعلان قيادة وطنية تسحب شكل التمثيل والشرعية للسلطة أمام العالم في ظل أداء "إسرائيلي" مرتبك وغاضب من إدارة المجتمع الدولي ظهره لها.
الموقف الدولي والإقليمي يمضي الآن -حسب تحليل د. عوض- لتعزيز صراع "سني- شيعي"، وليس صراعًا "فلسطينيا- إسرائيليا"، وبذلك يرتبون الأحلاف والأولويات، لذلك "إسرائيل" تواجه مصيرها غاضبة.
من جانبه، يرى المحلل السياسي د. أسعد العويوي في تصريحات لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" أن اشتعال الانتفاضة الشعبية جاء بعد تراكمات فبدأت مظاهرات ثم سكين وحجر، ومع دخول الشهر الثاني هناك طاقة كامنة مستقبلاً.
ويضيف: "تطور الانتفاضة مستقبلا له علاقة بالفعل ورد الفعل، وطابعها الحالي شعبي وجماهيري سيتواصل مستقبلاً" .
ويؤكد العويوي ضرورة ألا تكتفي السلطة الفلسطينية بإدانة عدوان الاحتلال وطلب الحماية الدولية؛ بل ترتقي وتضع إستراتيجية فلسطينية لنيل حقوقها.
وتابع: "لا يمكن إجهاض الانتفاضة بأي عملية سياسية؛ فالمجتمع العربي منشغل بحروب وصراعات أشدها الآن في اليمن، وعلى قيادة السلطة وضع خطة لإرغام العرب على الوقوف عند مسئولياتهم".
ومن المتوقع أن تتسع بقعة الزيت لكل فلسطين؛ فعزل القدس وإغلاق أبواب الأقصى لم يدفع المصلين للصلاة في أكناف المسجد، بل فجّر حالة من الغضب بدءًا من ضواحي الخليل ووصولاً إلى حاجز "الجلمة" في جنين.