ثائر الأحمد
تفيد الأوضاع التي تمر بها السلطة الآن عن وجود صراع عالي الوتيرة بين أجنحة فتح المتصارعة، فقد وصل أبو مازن إلى أخر مراحله في رئاسة السلطة، ولقبل أشهر قريبة كان الحديث عن نائب لابو مازن إلا أن الصراع الآن انتقل إلى مستوى أخر، الصراع الآن هو على خليفة أبو مازن.
وأي متابع للشأن السياسي يستطيع أن يدرك أن أبو مازن فقد الغطاء الأمريكي والعربي بأكلمة، ووصل مشروعه إلى انسداد حقيقي ولا أمل أبدا في ضخ أي فرصة أخرى فيه، لذلك أيضا فقد القبول الصهيوني له ليتحول إلى إيقونة شر عند الاحتلال، في محاولة من الاحتلال الدخول من جديد في مارثون تنازلي جديد يقوده شخص أخر يبدأ من حيث انتهى أبو مازن في تنازله.
الصراع بين أجنحة فتح ليس جديدا على الحركة، لكن وتيرة الصراع ولغته تنبئ بمرحلة جديدة وصلت فيه التوترات حد الإعداد بين تلك الأجنحة لما يشبه الصدام المسلح.
في مثل هذا الظرف ولمحاولة تجنب الصدام الداخلي للحركة والسلطة كان من الضروري حل التناقضات الداخلية عبر إيجاد تناقض جامع يشعر كل تلك الأجنحة بالتهديد، لذلك ارتفع منسوب العداء للأحزاب الأخرى ولشخصيات فلسطينية مستقلة، واخذ التحريض مستويات مرتفعة جدا.
كل ذلك الصراع فعليا لا يهم الاحتلال أبدا ما دام أن قواعد اللعبة لذلك الصراع مفهومة ومقبولة له، وما دام أن التنافس يقوم على من يستطيع أن يقنع الاحتلال وأمريكا وأوروبا بأنه الأقدر على القيام بالدور الوظيفي للسلطة، وان كان هناك قلق من تحول الصراع هذا إلى صراع مسلح بين أجنحة السلطة لأنه سيخفف من القبضة الأمنية للسلطة على المجتمع الفلسطيني، لتأتي عملية امجد السكري لتقول أن هناك تناقضا رئيسيا لا بد من مواجهته ويتفّه كل تلك الصراعات.
في ظل هذا الظرف المعقد نفذ الشهيد البطل امجد السكري عمليته، ولا نريد أن نغرق في رمزية مكان العملية وما تشكله في الوعي الفلسطيني بقدر ما أننا نريد فهم إبعاد العملية البطولية للشهيد امجد السكري.
لم يكن امجد هو أول عناصر الأجهزة الأمنية في هذه الانتفاضة الذي يقوم بعملية عسكرية ضد الاحتلال، فقد سبقه أبطال في هذه الانتفاضة ممن لم يعطوا الدنية في شرفهم العسكري وصانوا الأمانة .
كان سؤال الاحتلال مع نهاية انتفاضة الأقصى هو كيف بالإمكان الاعتماد على عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية في حماية أمن الاحتلال، ولم يكن السؤال حول الأجهزة بل حول العناصر، فموقف الأجهزة الرسمي (باستثناء جهاز قوات 17) كان يرفض العمل العسكري ولم ينخرط في الانتفاضة، إلا أن عناصر الأجهزة وبإعداد كبيرة انخرطوا مع شعبهم في الانتفاضة ليقدموا الشهداء والأسرى ويذيقوا الاحتلال ويلات وويلات.
كان جواب هذا السؤال عبر الخطة التي وضعها دايتون في إعادة تشكيل الأجهزة، حيث تم إبعاد عدد كبير من الضباط عنها ممن لهم تاريخ عسكري ونضالي سابق عبر سياسة رعاها فياض، كان السياسة لإبعاد هؤلاء ممن لا يأمن العدو جانبهم هي فتح مجال التقاعد براتب تقاعدي كامل، ليتقاعد عدد كبير جدا من ذوي الخبرة العسكرية وممن يحملون حمولة أيديولوجية لها زخمها، ومن يحملون ذاكرة مشبعة بمواقف البطولة والتضحية من المعارك المتتالية في ساحات المواجهة المختلفة.
وكان الرهان على خلق “فلسطيني جديد” ينتمي للمؤسسة العسكرية صُقل وعيه بما يناسب سياسات “بناء الأمة” في الخطة الأمريكية، وليتم عبر هذا إعادة تأويل عدد كبير من المصطلحات والمفاهيم، وترافق أيضا مع مفهوم “الاحترافية” التي سعوا إلى زرعها في وعي هؤلاء العناصر ليفقدوا العسكرية الفلسطينية الثورية أهم عناصرها، ألا وهي الجانب السياسي في الشخصية العسكرية، لأنه من المفروض أن يكون العسكري في أي ثورة يحمل حمولة أيديولوجية وانخراط بالشأن السياسي قادر على تعويض الفرق في القوة بينه وبين عدوه. لتبدأ بعد هذه الخطوة تسمع خطاب الأجهزة التي تقول “نحن لا نتدخل بالسياسة”، ليصبح الثائر مثل أي عسكري نظامي أخر في هذا العالم، كذلك تم العمل على إعادة صياغة العقيدة العسكرية الفلسطينية وما لم يستطيعوا إلغاءه قاموا بتأويله، وقد كان من شروط هذه العملية لأي منتمي جديد للأجهزة أن لا يكون يحمل تاريخ نضالي سابق.
في ظل كل هذه العملية من القصف الذهني المتتالي خرج بعض منتسبي الأجهزة ممن رفضوا هذا، ليكون دليلاً على مناعة إي منظومة، ولتحمل دلالة مهمة أخرى، ألا وهي أن أي أداة قمع تحمل في داخلها بذور ثورية ستدفع بالناس إلى التمرد.
لم تكن رصاصات امجد لتخترق فقط أجساد جنود العدو فقط، بل جاءت لتستقر أيضا في رأس عملية التنسيق الأمني ومشروع دايتون، لتلحق برصاصات سبقتها إلى هناك وبرصاصات ستلحقها أيضا.
اليوم امجد يخرق قواعد وأصول الصراع بين أطراف السلطة الفلسطينية، وسيتم إنكاره واتهامه باتهامات ما انزل الله بها من سلطان، لكن كل هذا لقتل النموذج أمام عناصر آخرين في الأجهزة، ولمحاولة إثبات قيادة الأجهزة للاحتلال أنهم ما زالوا قادرين على القيام بدورهم الوظيفي وان هذا نموذج شاذ يمكن احتواؤه .