تجرّعت مرارة الفراق، وألم الحرمان، منذ أن كانت طفلة صغيرة في حضن أبيها، الذي سلبها الاحتلال منه باعتقاله، لتعيش على ما ترويه لها أمها وجديها عن ذكرياته.
لينا، هي الإبنة الوحيدة للأسير مالك ناجح بكيرات، والمحكوم بالسجن لمدة 19 عاماً، قضى منها ثلاثة أربعاها، حيث كانت طفلة رضيعة حين سلبها الاحتلال والدها في 31 كانون أول/ ديسمبر 2001.
لتمضي بعدها الأيام والسنين، حتى غدت لينا شابّة، في قلبها أمل اللقاء، ووجع الفراق، إلا أن حلمها في لقاء والدها والتمام شملهما لو في إطار صورة تذكارية، لم يغادرها قط.
صورة رغم بساطتها وسهولة التقاطها، إلا أنها بمثابة حلم بعيد المنال بالنسبة لأسير يسلبه الاحتلال من كل حق هو له، يكافح ويحامي ويطالب وينادي، للحصول عليها.
تقول لينا ابنة الـ 14 عاماً "لا يمكن لي أن أصف مدى سعادتي حينما تمكّنت من معانقة والدي وأخذ صورة تذكارية لنا معاً، نعم عانقته كثيراً سابقاً وكنتُ بعد مغادرتي السجن أتذكّر في مخيّلتي ما حدث، لكن الآن بيدي الصورة، حقاً شَفَتْ لي قلبي من أوجاع تلك السنين، أن أصحو وأغفو على صورته وأنا معه تلك فرحة غامرة، والحمد لله أننا استطعنا الحصول عليها بعد جهد جهيد".
وتضيف "قلت يا أبي لا تختفي عن ناظري فأنا ما عُدْت قادرةً على البُعد أكثر، أريدُك أن تملأ عمري وحياتي، أُريدُك أن تراني وأنا أكبر، فيكفي أنني كبُرت وأنت بعيد، وأنتَ تراني من خلف القضبان، كم أتمنى أن أصحو كلّ صباحٍ وأقبّل جبينك ويدك .. لكن متى سيكون الفرج؟".
وتتابع "لم يكن يفوّت والدي أي مناسبة تخصّني، إلّا ويرسل لي شيئاً صنعته يدله؛ حفر اسمي على الخشب وصنع لي أقلاماً جميلة، هي كنز بالنسبة لي أتملكها وكأنني أملك الدنيا بها (...)".
مالك بكيرات (35 عاماً)، هو الابن الأكبر للشيخ ناجح بكيرات، مدير الأملاك الوقفية في دائرة أوقاف القدس، حُكم بالسجن مدة 19 عاماً حيث قضى منها 14 عاماً، وهو يقضي الآن السنة الـ 15 داخل سجون الاحتلال التي تنقّل في معظمها، وهو يقبع الآن في سجن "ريمون" داخل الأراضي المحتلة.
و تقول لينا "المسجد الأقصى هو المكان الذي كان يحبّه والدي كثيراً، وأنا متى سنحت لي الفرصة أذهب من صور باهر إليه، وأشعر بوالدي هنا وهناك، أبي يحثّني دائماً على التواصل مع الله من خلال الصلاة والدروس الدينية في المسجد، يريد أن يسمع منّي كل تفاصيل حياتي مهما كانت صغيرة، وكأنه يُريد أن يعيشها معي ولو في الخيال".
وفيما يتعلّق بزياراتها الدورية لوالدها، تقول الطفلة المقدسية "أتحرّق شوقاً لرؤيته، أخرج برفقة جدي وجدتي من صور باهر جنوب شرق القدس، لمبنى الصليب الأحمر في المدينة المحتلة، حيث تنتظرنا الحافلات لتوصلنا إلى سجن ريمون، وهناك نتعرّض للعديد من المضايقات كالانتظار والتفتيش ثم الوصول إلى قاعة الزيارات، حيث لا تتجاوز مدة الزيارة الـ 45 دقيقة، هي ليست كافية بالطّبع، لكني دائماً أقول الحمد لله أنني أستطيع رؤيته فغيري لا يستطيعون ذلك بحجة أنهم مُنعوا من الزيارة أمنيّاً".
اعتقال مالك الابن البكر، كان صعباً على العائلة، خاصة على والدته التي كانت ترى الكون بعينيه وتقول "ربّيته على طاعة الله وحب المساجد، حتى أصبح من روّاد المسجد الأقصى، كان شاباً طموحاً وحصل على دبلوم تربية رياضية من جامعة خضوري، خطب وتزوّج، وبعد ستة شهور من زواجه، تم اعتقاله على حاجز بيت لحم".
وتضيف "سرق السجن عمراً من حياة مالك، ومن حياتنا، لم يفعل شيئاً ليُحكم عليه بالسجن كل هذه السنوات، لكن في تلك الفترة كان الاحتلال يُحاول بشتّى الوسائل أن يقمع الانتفاضة وشبابها ومن يريد مقاومته".
أربع سنوات متبقيّة، ستكون اللحظات التي تنتظرها العائلة على أحر من الجمر بعد 19 عاماً، وستكون اللحظات الأجمل بالنسبة للينا، التي ستحتضنه حينها لأوّل مرّة خارج تلك السجون الاحتلالية.