رولا حسنين
رغم صغر سني، لا أستيطع تخيّل الموقف، ولا حتى العقلية التي قادته لتوقيع اتقافية أوسلو المشينة، عودة الى الأرشيف القاتم، تجد صورة مبتدعي أوسلو يرتبون ملابسهم ليظهروا بكامل أناقتهم، منهم العرب والغرب، إلا ياسر عرفات وقف جانباً، لا أريد الولوج كثيراً في نفسيته وعقليته آنذاك، ولكن وقفته بعيداً عن ملابسهم الأنيقة ربما دليل على أنه أدرك في قرارة نفسه أنه قاد نفسه بنفسه نحو الظلم والخطأ، قاد شعبه نحو الانهزام، هم رتبوا ملابسهم ودمرونا.
تمر بنا خلال هذه الأيام، الذكرى الـ 23 على توقيع اتفاقية أوسلو، التي قسمت الشارع الفلسطيني برمته، ما بين مؤيد ومعارض، والمعارض أضعاف المؤيد، لأن المعارض لم يتقبل فكرة أن تباع أرضه بل وتُهدى بلا ثمن، لأن الأرض ليس لها ثمن.
اما المعارض، فأدرك حتماً أن اتفاقية أوسلو المذلّة سيتلوها اتفاقيات أكثر إذلالاً، وأكثر عنجهية بحقنا، لصالح الصهيوني رابين الذي ظهر في الصورة بابتسامة عريضة، يقول فيها لشعبه “ها قد جئتكم بالأرض على بساط أمريكي أحمر تحته تاريخ دموي، وشلالات دماء الفلسطينيين منذ تاريخ النكبة”، أما الراحل عرفات خبأ ابتسامته على مضض، ولكن ما فائدة ذلك، وحبر أوسلو ما زلنا ندفع ثمنه من دمنا، وهو دفعه معنا عندما قرر الاحتلال اغتياله ونجح في ذلك.
لم تفرز لنا أوسلو سوى قيادات تطلع لإرضاء أمريكا، كما كان عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي كتب تاريخه تحت عبارة “المهم رضا امريكا واسرائيل، بلاش نغضبهم”.
أوسلو التي شرّعت الاستيطان في كل أراضي فلسطين ولم توقفه، أوسلو التي جندت رجال الأمن الفلسطينيين لخدمة أهدافها تحت مسمى “التنسيق الأمني”، أوسلو التي أفرزت لنا سلطة فلسطينية مؤسساتها تعاني الترهل من السياسة المذلّة.
أوسلو التي خنقت الانتفاضة الأولى، ووأدت الثانية تحت مسمى “المصالح المشتركة”، أوسلو التي جلبت لنا اتفاق باريس الاقتصادي، فأصبحت الضفة الغربية عبارة عن مدن تباع وتشترى بأمر من الدول العظمى، كل ما نملكه فيها هو أجسادنا فقط، وكل ما عداها مرهون بالاقتصاد، فماذا جلبت لنا أوسلو سوا الدمار.
أيها الراحل عرفات، لبسوا هم البدل السياسية ولبستَ بّزتك العسكرية، فأفلحوا هم بسلب أرضنا، وأخفقت في إرجاع حقنا، أيها الراحل خشيتُ أن تعكس لنا الصورة أهمية السياسة في قضيتنا وعبثية المقاومة، خشيتُ أن يؤمن شعبي بأن السلام الدولي عادل، حتى أثبت لي جيل أوسلو التي أنا منه، أن الاتفاقية وعداها مرفوضة وتداس بأقدمانا.
انتفض جيل أوسلو قبل عام تقريبًا، انتفاضة قادها وحده، بعيداً عن البدلة العسكرية والسياسية، نجح في قلب ما أسميتموها حقائق، لتتبين لنا أنها أكذوبة العصر الحديث، فالجيل الذي جاء مع أوسلو، أدرك عبثيتها، فانتفض، وإن أخمدت الانتفاضة مؤقتاً، ولكن كلنا ثقة أن الوطن الذي يباع ويُشترى علناً، يهتف له أبطاله “فليحيا الوطن بنا حراً” بعيداً عن اتفاقيات الاذلال مع العدو، بعيداً عن الصور الارشيفية المحزنة.