التصعيد الإسرائيلي لماذا وإلى أين؟
تاريخ النشر : الأحد , 16 أغسطس 2009 - 11:33 صباحاً بتوقيت مدينة القدس
بقلم/ طلال عوكل
فيما ينتظر الفلسطينيون، بما في ذلك الطرفان المتصارعان حماس وفتح، ما يمكن للجامعة العربية ان تتخذه من قرارات، واجراءات ازاء كيفية متابعة الحوار الفلسطيني الذي تعطل بقرار من حركة حماس التي اعتذرت عن حضور اولى جلسات الحوار الشامل في القاهرة يوم العاشر من هذا الشهر تستعجل اسرائيل تصعيد الصراع والعدوان ضد قطاع غزة.
على جبهة السياسة العربية ازاء الحوار الفلسطيني، تشير المعطيات الى وجود خلافات عربية، وتجاذبات سياسية في الاطار العربي، وحسابات معينة قد تمنع الجامعة العربية من اتخاذ قرارات فعالة، ومؤثرة تؤدي الى استعادة آليات الحوار، فلقد كانت تلك الخلافات والحسابات جزءا من اسباب تأجيل الحوار.
واذا كان هذا هو المتوقع من الجامعة العربية، فإن من العبث الاتكاء الى حسن النوايا، وتوفر إرادات الذهاب نحو انهاء الانقسام الفلسطيني، فلقد كان تعطيل الحوار محطة نحو تصعيد الاشتباك الداخلي، وتجريد حملات التحريض والتعريض، والاتهامات على نحو صعب جداً وغير مقبول.
في ضوء احتمالات انكفاء او ضعف الاهتمام العربي الجماعي لموضوع انهاء ملف الانقسام الفلسطيني، وفي ضوء تصاعد التناقضات الداخلية الى مستويات تدعو الى التشاؤم، تبادر اسرائيل لتصعيد عدوانها على قطاع غزة. اسرائيل في الاساس بادرت الى ارتكاب العدوان، يوم الثلاثاء الرابع من هذا الشهر، حين قامت باغتيال عبر القصف، سبعة مقاومين فلسطينيين اي قبل موعد الحوار الفلسطيني الذي كان مقرراً في العاشر من الشهر الجاري، ما يعني ان العدوان الاسرائيلي الذي قد يتدحرج نحو عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، قد جاء وفق الحسابات الاسرائيلية ولخدمة مصالحها ولا يمكن ادراجه، او توظيفه في اطار الصراع الفلسطيني الداخلي.
ذلك العدوان الذي لم يتوقف منذ ذلك الوقت كان مفاجئاً، ودون اي مقدمات او اسباب، وفيما يلتزم الجانب الفلسطيني بالتهدئة، بالرغم من ان تلك التهدئة كانت مجانية اذ لم تلتزم اسرائيل منذ البداية بفتح المعابر التجارية كما يقضي الاتفاق الذي توسطت مصر لإبرامه.
وفي الواقع فإن مرحلة التهدئة التي استمرت لخمسة اشهر، قد ادت الى تصعيد التناقضات الداخلية الفلسطينية بدلاً من أن يتم استثمارها لصالح تهدئة وتسوية تلك التناقضات، باتجاه انهاء حالة الانقسام. لهذا كان مفهوماً حديث الفصائل الفلسطينية التي سجلت منذ البداية تحفظاتها على شروط التهدئة، حين كانت تطالب بإعادة النظر في التهدئة طالما ان الاحتلال هو المستفيد منها، وطالما لم تلتزم اسرائيل بشروطها، كما لم يتمكن الفلسطينيون من استثمارها لجهة انهاء الانقسام. الآن ايضاً يستمر واقع التشتت في القرار الفلسطيني ازاء التهدئة والموقف من العدوان الاسرائيلي، ففي حين يعلن بعضها انتهاء التهدئة وبعضها الآخر التمسك بها، فإن ثمة غياباً او تغييباً لموقف فلسطيني موحد. وعلى كل حال فإن اسرائيل قد اخذت زمام المبادرة باتجاه انهاء التهدئة، وبالتالي لن تترك للفصائل الفلسطينية فرصة اعادة النظر واتخاذ موقف جماعي، ذلك ان الموقف سيتحدد كرد فعل على الفعل الاسرائيلي الذي لا ينتظر سوى المصلحة الاسرائيلية.
الاسرائيليون يتحدثون بلغة مزدوجة هدفها التضليل فقط وإلقاء المسؤولية عن انهيار التهدئة على الجانب الفلسطيني ذلك ان الأفعال على الارض، كما التصريحات تشير الى ان اسرائيل بصدد تصعيد العدوان ضد قطاع غزة ما يعني ان الاعتداءات المتكررة الجارية، قد تكون مقدمات او مرحلة تسخين تسبق عدواناً واسعاً.
ففي حين يتحدث باراك عن استعداد اسرائيل لمواصلة وتمديد التهدئة وفتح المعابر، في حال توقفت الفصائل عن اطلاق الصواريخ، يتحدث ايهود اولمرت عن ان المواجهة مع حركة حماس حتمية وان المسألة فقط تتصل بالوقت، وبعد ذلك تحدث اولمرت عن انه اصدر أوامره لضباط الجيش بالتحضير لعملية تستهدف انهاء سيطرة حماس في قطاع غزة.
وفي السياق ذاته كان اولمرت قد اعلن انه شكل لجنة للبحث في كيفية تشديد الحصار على قطاع غزة، الذي يخضع فعلياً لحصار مشدد من قبل اسرائيل حيث لم يتم فتح المعابر منذ اليوم الاول للعدوان في الرابع من الشهر الجاري.
في الواقع فإن الحال في قطاع غزة مأساوي الى أبعد الحدود، وقد بدأت آثار تشديد الحصار الاسرائيلي عليه واضحة وملموسة، ما جعل مدير عمليات وكالة الغوث في قطاع غزة جون جينج يكرر تحذيراته بأن الوكالة لم تعد قادرة على تقديم المساعدات الانسانية التي اعتادت ان تقدمها للاجئين والفقراء، الذين يشكلون نحو ثلثي سكان القطاع. ولكن لماذا تقرر اسرائيل معاودة العدوان وتصعيده؟
يعرف كل الفلسطينيين، وعبر تجربة طويلة ان الاسرائيليين يحلون مشاكلهم وأزماتهم على حساب الدم الفلسطيني، وان الاحزاب الاسرائيلية تزايد على بعضها البعض، بشأن من الذي يظهر تطرفاً اكبر ضد الفلسطينيين.
الفلسطينيون مادة انتخابية، تصبح اكثر من ضرورية، قبل الانتخابات المبكرة وكحل لتراجع شعبية بعض اطراف التكتل السياسي الذي تتشكل منه الحكومة. أما رئيس الحكومة ايهود اولمرت فإنه يحتاج لتحسين صورته وملفه الاخلاقي الذي ادى الى انهاء حياته السياسية، ولذلك فإنه يطلق بين الحين والآخر تصريحات مرنة باتجاه السلام وحقوق الفلسطينيين، وأخرى في مواجهة ما يسميه الإرهاب.
اذاً التهدئة لأسباب اسرائيلية على كف عفريت كما يقولون، والعدوان الاسرائيلي قد يتدحرج نحو عملية عسكرية واسعة تضاعف معاناة وآلام سكان القطاع، وتتغذى على التناقضات والانقسام الفلسطيني دون التضحية به، فيما يصعب المراهنة على وساطة مصرية لتثبيت التهدئة، خصوصاً بعد تعطل الحوار.
ومرة اخرى وليست اخيرة، تأتي الاحداث لتؤكد ان انهاء الانقسام الفلسطيني هو مفتاح معالجة الازمات الفلسطينية، وبقاء الحال على حاله ليس سوى وصفة لتدمير قدرات الفلسطينيين وآمالهم.