هدي الرسول صلى عليه وسلم في إقامة الأمن والسلام
تاريخ النشر : الأحد , 26 مايو 2013 - 1:35 مساءً بتوقيت مدينة القدس
1- التعلُّق بالله سبب مركزي للأمن في الدارين، وهو أن توحِّد اللهَ ولا تُشرك به شيئًا، فإذا قام الأمنُ من الله - لأنَّ بين الأمن والإيمان علاقةً قويةً - فإنَّ المجتمع إذا آمن أمن، وإذا أمن نَما؛ فيعيشُ أفرادُه مع الأمن حياةً طيبةً؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، وقال في موضع آخر: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. 2- الأمن في حسن التعامل مع الناس، وهو أن تُطعمَ الجائع، وتَسقي العاطشَ، وتکسو العُراةَ، وبه يحصل رضا الرب، فتعيش في الأمن والسلام؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدکم حتى يُحب لأخيه - أو قال: لجاره - ما يحب لنفسه))، وألاَّ تُسيء إلى أحد بلسانك وبيدك؛ حيث قال: ((المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده)). 3- الأمنُ بين المسلمين وغيرهم؛ لهذا الغرض أمر الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بدعوة غير المسلمين إلى الموافقة على النِّظام في قوله - تعالى -: ﴿ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ [آل عمران: 64]، فإذا أعرضوا عنه أمر بالعمل بقوله - تعالى -: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، وسدَّ بابَ الخوف والفتنة والهيبة كُلِّيةً بقوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 108]. 4- السلام بين المسلمين: تلا لإقامة السلام بين المؤمنين قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدُکم حتى يُحِبَّ لأخيه - أو قال: لجاره - ما يحب لنفسه)). 5- الأمن بين ذوي الأرحام، فعيَّن له طرقًا متعددةً، وبَيَّن الحقوق مفصِّلاً، وأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. 6- وإضافة إلى ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لغرض إقامة الأمن بين الحيوانات: ((الخلقُ عيالُ الله، فأحب الخلق إليه من أحسن إلى عياله)). إنَّه نظر إلى هذه الأشياء وغيرها لإقامة الأمن والسلام في الدَّارين، وعلَّمها أصحابَه، وبلَّغها إلى أمَّته جميعًا. حتى إنَّه - صلى الله عليه وسلم - حمل الأسلحة بيديه لإقامة الأمن الأبدي، واضطر إلى قتالهم کإجراء العملية في الجراح، وإلاَّ لفَسَدُوا في الأرض، کما قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251]. إقامة الأمن والسلام بأعماله المحكمة: شرعت هذه السلسلة منذ أن تحمله أمُّه في رحمها، وتنتهي إلى أن تقوم القيامة، كما نصوِّرها في الذيل: 1- محمد مخبر الأمن والسلام منذ ولادته: منذ ولادته ظهرت آثارٌ تُنبئ بأنَّه سيکون صاحبَ الکمال، هناك مقولة مشهورة: "Childhood shows the man As morning shows the day". منها الواقعة الآتية التي تدُل على أنه سيقيم الأمن والسلام على مستوى العالم، وهي أن آمنة لم تحس شيئًا من الثقل والوحم کسائر النساء حين حملته في رحمها؛ تقول آمنة: "ما شعرت بأني حملتُ به، ولا وجدتُ له ثقلاً، ولا وحمًا کما تجد النساء". 2- مثال العدل في الرضاعة: العدل لا بُدَّ منه؛ إذ إنه ضروري لإقامة الأمن، وقد وجدنا فيه هذه الصفة في حجر أمِّه من الرضاعة، بأنَّه كان يشرب اللبن من الثدي اليماني، وكان اليسار لأخيه الرضاعي، فذات مرَّة عرضت له حليمة ثديًا كان يشرب منه أخوه الرضاعي، فامتنع أن يشرب منه. فوجَّهه بعضُ العلماء: أنه ما كان لمن يقيم الأمن العالمي أن يضيِّع حقَّ أخيه بشرب اللبن فقط، كما ذكر في حاشية ابن هشام أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان لا يُقبل إلاّ على ثديٍ واحدٍ، وكانت تعرض عليه الثدي الآخر، فيأباه كأنه قد شعر - عليه الصَّلاة والسَّلام - أنَّ معه شريكًا في لبنها، وكان مفطورًا على العدل، مجبولاً على المشاركة والفضل. ودوره - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد البلوغ فيما يأتي إنَّه التزم ببرامج موافقة للحال والمقام لإقامة الأمن والسلام على مستوى الأرض، فنذکرها في الذيل مفصّلاً: المشاركة في تأسيس "حلف الفضول": إنَّه کان حزينًا ومفكرًا في أنه کيف تُحْفَظ الإنسانية من هذا الخوف والاضطراب الدائم، وفي هذه البُرهة حدثت "واقعة الفضول"، فأحسَّ زعماؤهم بصلح بال المجتمع، وأقاموا لجنةً يُصْلَح بها بالُ المجتمع، ويحصل الأمنُ في كل مكان حتى الطريق، وتحفظ بها دماء المسافرين وأموالهم، وتسمَّى بـ"حلف الفضول"، وكان رسولنا الأمين قد أسهم في وضع أساسها، كما قال بنفسه - صلى الله عليه وسلم - عنه: ((لقد شهدتُ في دار عبدالله بن جدعان حلفًا ما أحب أنَّ لي به حمر النعم ولو أُدْعَى به في الإسلام لأجبتُ)).