لعبة الإعلام الإسرائيلي في الانتخابات المحلية الفلسطينية
عمر أبو عرقوب
يتابع الإعلام الإسرائيلي عن كثب مجريات الانتخابات المحلية الفلسطينية المقرر عقدها في الثامن من أكتوبر 2016، وركزت التقارير والتحليلات على أن الغلبة في هذه الانتخابات محسومة لحركة حماس حسب التقديرات الإسرائيلية، كما أرسل الإعلام الإسرائيلي مراسليه إلى مناطق الضفة المحتلة لاستقراء توجهات الجمهور ومجريات الواقع الانتخابي.
وأورد الإعلام الإسرائيلي عناوين مثيرة للجدل مثل: “رقصة الموت الأخيرة لعباس”، “في الخليل، فتح تواجه حربا أهلية في صناديق الإقتراع”، “الانتخابات الفلسطينية كفيلة بإقلاق إسرائيل”، “أبو مازن يلعب بالنار، فجأة يريد ديمقراطية”، وغيرها من العناوين التي تهدف للتأثير على الجمهورين الفلسطيني ليرفض العملية الديمقراطية التي ستجلب نتائجها أعباءً ثقيلة على كاهل الفلسطينيين من جهة، والإسرائيلي لتبرير الانتهاكات والتدخلات الإسرائيلية فيها باعتبارها خطوة قد تمهد لمصالحة بين حركتي فتح وحماس.
حملة تخويف ممنهجة
استخدم الإعلام الإسرائيلي أسلوب التخويف من حدوث الإنتخابات المحلية وتهويل نتائجها التي ستكون “كارثية” على المجتمع الفلسطيني على حد وصفه، وكتب روني شكيد مختص الشؤون الفلسطينية في يديعوت أحرنوت بأن كل المؤشرات الإسرائيلية والفلسطينية واستطلاعات الرأي تدلل على أن حماس “ستنتصر في المعركة” وستزيد قوتها في الضفة، بينما أضاف مراسل القناة العاشرة الإسرائيلية أن تقدمها في الضفة “يعني خلق حالة فوضى ومن شأنه أن يكون هداما للمجتمع الفلسطيني وكفيلا بأن يجرفه إلى صراعات داخلية وتفكك التكافل الداخلي”، كما أن ذلك سيحرم الفلسطينيين من المساعدات الدولية كونه ضربة لشرعية السلطة في مناطق الضفة.
وتعمقت يديعوت أحرنوت كما باقي الإعلام الإسرائيلي في تحليل أبعاد ذلك، وقالت إن “حماس وداعش وجهين لعملة واحدة، وهو ما يهدد أي تسوية سياسية”، بل إن إجراء الانتخابات سيؤدي إلى تعزيز قوة “الجهات المتطرفة” واستمرار العمليات. وركز الإعلام الإسرائيلي على أن من يتحمل كل هذه المسؤوليات هو الرئيس عباس، فرغم “تحطم فتح الداخلي ما زال مصمما على قراره”، بل إنه يحاول إجراء الانتخابات في ظل “حالة التمزق المجتمعي والانقسام الفلسطيني واليأس من الأفق السياسي وكأنه لا يرى ذلك”، وتجاهلت تغطية الإعلام أن “إسرائيل” هي من خلقت هذا الواقع، “أبو مازن نسي بأن الديمقراطية والإسلام الأصولي لا يعيشان تحت سقف واحد”، لكن “ما زال هناك فرصة لنزول عباس عن الشجرة”.
حملة التخويف هذ وبالمصطلحات الإسرائيلية المتطرفة، شملت أيضا المجتمع الإسرائيلي، وقال آفي يساخروف في موقع تايمز أوف “إسرائيل” إن “نتنياهو وليبرمان وبينيت ورفاقهم في أحزاب اليمين سيحتفلون بانتصار حماس في الضفة، فهم يعتبرونه هزيمة لأبو مازن، وفرصة ذهبية لمواصلة حملة التخويف للجمهور الإسرائيلي”، ليستمر في دعمهم ودعم تدخلاتهم الأمنية في الانتخابات والتي تحقق بعضها باعتقال ممثل حماس في لجنة الانتخابات المركزية وتهديد بعض مرشحيها ودفعهم للإنسحاب، ويختم يسخاروف بأن “إسرائيل” لن تقف مكتوفة الإيدي أمام هذه الفوضى، وستؤكد القيادة الإسرائيلية أنه لا يوجد شريك حقيقي للسلام.
تعميق الانقسام الفلسطيني
لعب الإعلام الإسرائيلي على وتر الإنقسام الفلسطيني وتعميقه من خلال تقنيات التلاعب بالمعلومات والمصطلحات، فترددت عبارات مفادها “الانتخابات لن تؤدي الى المصالحة بين فتح وحماس، فابو مازن يتعامل مع حماس كعدو ويعتقل نشطائهم، كما أن حماس لا تتعاطى معه بشكل مختلف: فهو كريه روحهم، وهم أيضا ينكلون برجال فتح في القطاع”. وفي هذه اللعبة تتجه حماس نحو الاحتلال السياسي للضفة، وأن الصراع بين التنظمين لا يقتصر على الانتخابات المحلية،فمقتل أربعة عناصر أمن فلسطينيين في نابلس هو جزء من هذا الصراع حسب القناة العاشرة الإسرائيلية.
وحاول الإعلام الإسرائيلي إثارة الجمهور الفلسطيني والأحزاب السياسية ضد بعضها، وكتب ايلان زلايت على موقع واللا العبري بأن “حماس ستصبح متنفذة خارج قطاع غزة”، وأنها “حركة دينية ستتحالف مع اليسار، فهدفها ليس الفوز وإنما إسقاط فتح، وليس لديها ما تخسره في هذه الانتخابات”. من جهة أخرى ركزت التغطية على مطالبات حركة فتح الداخلية بتأجيل الانتخابات، وأن أحداث نابلس الأخيرة ما هي إلا إحدى نتائج قرار إجراء الانتخابات، مؤكدا على أن “هدف فتح هو توفير حياة كريمة لاخوانهم في غزة، لكن الخلافات الداخلية بسبب أراء عباس وخوفه من منافسه اللدود محمد دحلان أربكت التنظم”.
القلق الإسرائيلي من الانتخابات
كتب الصحفي الإسرائيلي شلومي الدار في موقع المونيتور العبري تقريرا حول خطورة الانتخابات على “إسرائيل” عنونه “الانتخابات كفيلة باقلاق إسرائيل”، لأنها قد تمهد لمصالحة فلسطينية “ما سيؤدي إلى زيادة تعقيد العلاقة مع السلطة، وبدء سيطرة حماس على القوة الأمنية التابعة للسلطة”، وهو ما أشارت إليه القناة العاشرة بعنوانها “قلقون في إسرائيل: حكم السلطة في خطر”، لكن الأهم من ذلك هو أن وصول حماس للبلديات سيصعب على “إسرائيل” محاربتها أمام المجتمع الدولي.
كما ترى “إسرائيل” بأن قرار الانتخابات خاطئ لأن أبو مازن يكرر خطأه في عام 2006 حين اضطر تحت ضغط المستشارين المغرضين من أوروبا وواشنطن إلى عقد انتخابات ديمقراطية. وأدى “الانتصار الساحق لحماس إلى طرده من غزة وتدمير المجتمع الفلسطيني”، ناهيك عن الجمود السياسي والثمن الباهظ الذي يدفعه الفلسطينيون حتى اليوم، “الأجواء في الضفة شبيه بأجواء انتخابات عام 2006 وهذا مؤشر خطير في ظل خيبة الأمل الكبيرة من سلوك حركة فتح لدى الفلسطينين”.
وحول غزة التي لم تتطرق لها تغطية الاعلام الإسرائيلي كثيرا في ملف الانتخابات، لكنها ترى بأن هناك نجاحات لبعض قيادات حركة فتح بسبب يأس الناس من حماس والحصار المفروض، في حين أن حماس أيضا معنية بتحقيق تقدم تجاه المصالحة والتخلص من رواتب الموظفين ونقص الميزانية وعبء الهيئات المحلية، وهو ما سيسمح بتدفق الأموال من الاتحاد الأوروبي الذي يرفض التبرع لحماس.